رحلة نحو القمم

من سعادة العشاق أن لا تبعد مضارب الأحبة سوى فراسخ تنهبها مطايا الشوق في سويعات فيتاح اللقاء ويعذب الوصل ويصفو الود ويطيب الهوى وما نمّ كاشح ولا رقيب!

... وأخيرا تحقق الحلم الذي راودنا حينا من الدهر..  لكنَّ لوعة غياب بدر بدور الحي عكرت صفوه، فتمثلنا بقول الشيخ في شيخه:

"مضى الإمام فهاج الهم والأسف ** لكنَّ في الله عما فاتنا خلف"

ليت الوصال أتيح قبل اليوم، فنعاقر فيض "السيد" أحمد ونُسِرُّ حسوا في ارتغاء تمتزج فيه سلافة أسراره وأنواره البهية بكوثر معارف الشيخين اباه ومحمد المختار الشرعية والعصرية.    

*  *  *

"تولى كأن اللمح بالطرف زوره ** وكان وداعا منه أن هو سلما".

كذلك أراده بعضنا تمسكا بتعاليم السنة الغراء، وأردته "ألف ليلة وليلة" وربما أرادوه كذلك لجودهم فتشبثوا بنا تشبث ابن زريق بقمره.

كم كان بودي لو يحلو السمر في ركن من أركان تلك الزاوية العامرة التي استعصت عفتُها على وطأة الرمادة والفساد، فنفتح كنوز التاريخ فتنساب الذكريات والبوح في:

* ملحمة التأسيس يوم نهض الشيوخ المؤسسون: الشيخ حرمه بن عبد الجليل، والشيخ محمد الحافظ بن المختار، والشيخ بابه بن أحمد بيبه، يقارعون الجهل والجمود والبدع والسيبة والبغي، ويعالجون القلوب والأبدان في واد غير ذي زرع، ويعلنون في طليعة كوكبة من معاصريهم نقض السيبة ووجوب تنصيب إمام، وسلاحهم في نيل المرام الفكر والاجتهاد والتجديد؛ وقد نهلوا من المعين الذي ارتوى منه الشيخ محمد عبده حين يقول:

أحاول الصعب في رأيي فأدركه ** ولا حسام ولا رمـــح أرويــه

وإنما الفكر يغني نفس صاحــبه ** عن الجيوش إذا صحت مباديه

مجدي بمجد بلادي قمت أطلـبه ** وشيمة الحر تأبى خفض أهلـيه

* ثلاثية التحصيل، والحج، والتأصيل، وما تختزله وتختزنه من صحبة، وتفاعل، وأخذ وتجديد للطريقة: الشيخ محمد الحافظ، الشيخ بابه، الشيخ التجاني بن بابه، الشيخ محمد فال ولد بابه، الشيخ عبد الله ولد بابه.. الخ.

* البحث والمناظرة و"إعمال سيف الفكر":

وإذا المـــسائل أعرضت وتمنعت ** وأبت مشاكلها على الحـــذاق

أعملت سيف الفكر نحو عويصها ** فحَنَت عليَّ خواضع الأعناق

فتبوح لي بســــرائرٍ مكـــــــتومة ** حتى عن الأقـــلام والأوراق!

*  *   *

ثلاثة فتيان من الحي غابوا عن وعد الهوى، وما كان التغيب شيمتهم وهم: "عروة الزمان" اباه ولد محمد (باهي محمد) الأستاذ محمد فال ولد التجاني، والعمدة محمد ولد اباه رحمهم الله جميعا.

... وانتبهنا بعدما زال الرحيق، فإذا المطايا تنهب الطريق ناحية لبيرات المباركة، فأنشدت قول الشيخ اباه رضي الله عنه:

ألا ليت شعري هل لي الدهر عودة ** لحي لدى البطحاء أو ربوة الصدر.

النباغية، الجمعة 9 مارس 2018

الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

تصنيف: 

دخول المستخدم