ألقى ذ/ أحمد سالم ولد بوحبيني خطابا بمناسبة تسليمه قيادة المنتدى لخلفه. ولم بخف بالمناسبة خبية أمله الشديدة تجاه شركائه السياسيين في المعارضة. وله كل الحق في ذلك حسب ما يستشف من مرارة في قوله.
لأنه لا حاجة لنا في أن نقرأ بين السطور لندرك أن الرجل عانى كثيرا وتألم بسبب الجمود الفكري و التشدد في المواقف وعدم الانسجام... الذي لقيه خلال تعامله مع أطياف المعارضة. الجهود المضنية التي بذلها خلال قيادته للمنتدى لم يقابلها تقدير ولا مكافأة من طرف أحلافه فحسب، بل زرعت الأشواك في طريقه. خطابه كان بمثابة رسالة تحمل إشارات قوية في هذا الاتجاه. منها على سبيل المثال :
" ما زلت أصر على أنه من واجبنا تجاه المعارضة أن نجعلها تفهم بأن لها مشاكلها البنيوية الخاصة بها، وأن لديها نواقصها الكثيرة، وأنها، مثل السلطة، تكره ذكر عيوبها. لقد كنت وسأبقى على قناعة تامة أن الشجاعة لا تقتصر فقط على مواجهة النظام بقول الحقيقة، بل تعني أيضا مواجهة المعارضة بقول الحقيقة والدفع بها إلى القيام بما يلزم من مراجعات ونقد ذاتي هي في أمس الحاجة له. فالعراقيل البنيوية كانت، منذ أمد طويل، وراء ما عانته المعارضة من ضعف أمام مواجهة الأنظمة، وضعف عن تسيير جماهيرها، وضعف عن إحداث التغيير المنشود. وبالتالي فإن معارضتنا لابد أن تمتلك الشجاعة الضرورية لفهم واقعها وتغييره، وأن لا يقشعرّ جلدها من إبداء الرغبة في تحسين وضعها، وتزيين صورتها، وتمتين جدران فكرها لتكون شريكا مقنعا قادرا على بلوغ الهدف. إذن لا أعتقد أن النضال يكمن حصريا في أن نقول للنظام بأنه دكتاتوري متعنت، بل يكمن أيضا في أن نقول للمعارضة أنها فشلت في تجاربها، وأن عجلتها انزلقت عن كل المنعرجات الديمقراطية من 1991 إلى الآن. وإن لم تقف اليوم وقفة تأمل، سوف تنزلق عجلتها عن كل المنعرجات الديمقراطية القادمة كما وقع لها في الماضي.. ولكي لا تنزلق، عليها أن تقبل بأن لديها مشاكل، وأن عليها أن تبادر إلى حلها، وأن عليها أن تقبل بأنها غير منسجمة، وأن تحديات التغيير تتطلب منها الانسجام، وأن تجاربنا مع المعارضات المشخصنة كانت مميتة لكل مشاريعنا السياسية الماضية. إذن لابد من وحدة المعارضة، وتوحد رؤاها، وانسجام خطابها كي تتمكن من تجسيد طموحات جماهيرها المخلصة."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص الكامل لخطاب ولد بوحبيني
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة على الهادي الأمين،
سادتي رؤساء وأعضاء الأقطاب المنضوية في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، أيها السيدات والسادة المدعوون، أيها الحضور الكريم،
لا يسعني، وأنا أسلم منصب ومهام الرئيس الدوري للمنتدى، إلا أن أشكر، من صميم قلبي، كل من أعانني على القيام بمهمتي رغم العراقيل المتشعبة.
إخوتي الأكارم، لقد قبلت ذلك التكليف وأنا أقدّر حجم الصعاب المنوطة به، لكن قناعتي بأنه آن الأوان لانتشال الوطن من مطبات التفكك والأخطار المحدقة، جعلتني أضرب عرض الحائط بكل ما سيترتب على تحمل المسؤولية من سوء الظن ومن التهم الجزافية تارة، ومن الشيطنة تارة أخرى. لم أعبأ بأي تهويل ولم أهتم بأي تسخيف، بل جعلت مستقبل البلاد نصب عينيّ وعملت مع كل أقطاب المنتدى من أجل إبلاغ رسالة المعارضة وفرض حضورها على الساحة السياسية كطرف لا يمكن تجاهله في عملية إعادة بناء الديمقراطية الموريتانية على أسس سليمة. ورغم أنني لست أسرع من أي أحد إلى الحوار ولا أبطأ من أي أحد عنه، فقد سعيت إليه بالفعل، لأنه، أولا وقبل كل شيء، كان وما يزال الخيار الرسمي للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، ولأنه، من ناحية أخرى، يشكل الخيار الأسلم والأقل كلفة لحل كل المشاكل السياسية في العالم بأسره وفي موريتانيا على وجه الخصوص. لكن الحوار الذي سعيت إليه ليس حوار الغالب والمغلوب، بل الحوار الذي يحصّن الشعب والدولة من ويلات التفكك في خريطة عالمية تتصدع كل يوم. إن التحديات الجسام المطروحة لموريتانيا، والمشاكل المستعصية التي تواجهها، لا يمكن معالجتها دون النظر إلى المعطيات الجديدة والمتجددة التي يمكن أن تنسف بموريتانيا من أساسها. هذا الوضع يتطلب تضحيات جديدة، وأساليب جديدة، لأن مشاكل موريتانيا اليوم ليست مشاكلها بالأمس، ولأن الخريطة الإقليمية اليوم، ليست الخريطة الإقليمية بالأمس، ولأنه ثمة مشاكل جديدة وتحديات جديدة وخريطة جديدة، وبالتالي لابد من حلول جديدة. وتلك الحلول تتطلب قدرا كبيرا من نكران الذات والحد من الشخصنة. لقد تغيرت الرهانات جذريا، فموريتانيا اليوم لا يهمها أن يصل فلان إلى السلطة ولا يهمها أن يحتفظ بالسلطة فلان، فالمهم بالنسبة لها هو أن تحافظ هي على كيانها، وأن تنجو من الويلات التي تعصف حاليا بشعوب أقوى ودول أعظم. كما يهمها أيضا أن تجد طريقها إلى النمو كباقي الشعوب، وأن تكفل لأبنائها التعليم والصحة والبنى التحتية والعدالة، وأن تشرك شبابها، المنسي المقصي، في المشروع السياسي وفي عملية بناء المستقبل. نعم، سعيت إلى الحوار بالفعل، لكن دون أن أكون ممن يرون أن السعي إليه يعدّ نوعا من المحاباة والتزلف، بل بالعكس من ذلك، سعيت إليه حرصا على مستقبل البلاد.. وقد اتضح، في الوهلة الأولى، أنه ثمة من يعرقل الحوار من داخل النظام ومن داخل المعارضة. رغم أن مسؤولية إفشال الحوار تعود للنظام وحده. إخوتي الأكارم، ما زلت أصر على أنه من واجبنا تجاه المعارضة أن نجعلها تفهم بأن لها مشاكلها البنيوية الخاصة بها، وأن لديها نواقصها الكثيرة، وأنها، مثل السلطة، تكره ذكر عيوبها. لقد كنت وسأبقى على قناعة تامة أن الشجاعة لا تقتصر فقط على مواجهة النظام بقول الحقيقة، بل تعني أيضا مواجهة المعارضة بقول الحقيقة والدفع بها إلى القيام بما يلزم من مراجعات ونقد ذاتي هي في أمس الحاجة له. فالعراقيل البنيوية كانت، منذ أمد طويل، وراء ما عانته المعارضة من ضعف أمام مواجهة الأنظمة، وضعف عن تسيير جماهيرها، وضعف عن إحداث التغيير المنشود. وبالتالي فإن معارضتنا لابد أن تمتلك الشجاعة الضرورية لفهم واقعها وتغييره، وأن لا يقشعرّ جلدها من إبداء الرغبة في تحسين وضعها، وتزيين صورتها، وتمتين جدران فكرها لتكون شريكا مقنعا قادرا على بلوغ الهدف. إذن لا أعتقد أن النضال يكمن حصريا في أن نقول للنظام بأنه دكتاتوري متعنت، بل يكمن أيضا في أن نقول للمعارضة أنها فشلت في تجاربها، وأن عجلتها انزلقت عن كل المنعرجات الديمقراطية من 1991 إلى الآن. وإن لم تقف اليوم وقفة تأمل، سوف تنزلق عجلتها عن كل المنعرجات الديمقراطية القادمة كما وقع لها في الماضي.. ولكي لا تنزلق، عليها أن تقبل بأن لديها مشاكل، وأن عليها أن تبادر إلى حلها، وأن عليها أن تقبل بأنها غير منسجمة، وأن تحديات التغيير تتطلب منها الانسجام، وأن تجاربنا مع المعارضات المشخصنة كانت مميتة لكل مشاريعنا السياسية الماضية. إذن لابد من وحدة المعارضة، وتوحد رؤاها، وانسجام خطابها كي تتمكن من تجسيد طموحات جماهيرها المخلصة. إن سعينا إلى الحوار كان أيضا مدعاة لجعل النظام يفهم أنه لم يعد بإمكانه الانفراد بالسلطة، وأنه يتخبط فى أزمة اقتصادية خانقة و انه مقدم على آخر مأمورية غير قابلة للتجديد، وأن أسْلم ما يمكنه فعله يتجسد في خلق فترة انتقالية، تشارك في تحضيرها جميع القوى السياسية، كي تفوز البلاد بانتقال سلمي للسلطة يضمن للنظام أن يخرج من الباب الواسع ويضمن للمعارضة أن تحقق أهدافها النبيلة، فعهد الدكتاتوريات، حتى الملثمة منها بالانتخابات الشكلية وحرية الإعلام الصورية، قد ولى لغير رجعة، وفجرُ التعددية السياسية غير المزورة قد انبلج. أيها الإخوة الأكارم، إنني على يقين أن المنتدى يظل أحد أهم القوى السياسية في البلد، وأن المعارضة عموما جسم واحد، وبالتالي يمكنها، إن هي توحدت وانسجمت، أن تحقق طموحات التغيير المنشود. ومن الواضح لكل المتابعين أن المعارضة قوية بجماهيرها أكثر من أي وقت، وأن الجماهير في غالبيتها تقف إلى جانبها، و من بين المعارضين من ضحوا بكل شيء من أجلها، ومن بين المعارضين من نذروا حياتهم للعمل النضالي السياسي من أجل موريتانيا، لكن هذه الجماهير المتحمسة والحاضرة والمستعدة لا يمكن أن تظل مجرد ديكور يتم استعراضه فلكلوريا كلما دعت الحاجة إلى مهرجانات خطابية، فذلك لا يخدم إلا النظام لأنه يعطي الانطباع بأن المعارضة ليست إلا حراكا شكليا لا يزيد على كونه يعطي مصداقية أكثر لديمقراطية النظام سادتنا الأكارم، لقد اتسمت المأمورية السابقة بجملة من النشاطات الدؤوبة، كان من أهمها إقناع للنظام بضرورة استئناف الحوار، وأن يكون الحوار بطلب منه هو وتلبية لحاجته فيه. وقد نجحنا في أن لا نقبل أبدا أن تكون الهوة بين مكونات المنتدى نهائية لا يمكن ردمها، لذلك لم نقطع حبل الوصل مع أي طرف، موضحين في كل مقابلاتنا وبياناتنا، أهمية ووزن تلك الأطراف، رافضين القطيعة التامة التي أراد البعض جرنا لها. كما تحاشينا في كل نشاطاتنا أن نزج بالمنتدى في متاهات لا قبل له بها، لذلك لم نتخذ أي قرار أحادي ولم نقم بأية مبادرة دون إشراك الجميع في إنضاجها وبلورتها. لقد حاولنا جاهدين أن نحيي الأمل في معارضة كادت تعصف بها الخلافات والتصدعات والشعارات الحالمة تارة أكثر من اللازم، كما حاولنا، بوسائل سلمية قانونية، أن يفهم النظام بأنه ليس الوحيد في الساحة، وأن الوضع يلزمه على الانفتاح أكثر وإشراك القوى السياسية في تسيير بلادها، وأن مسؤوليته كبيرة جدا في الاحتقان والتوترات التي لا تحمد عقباها. وأيا كانت المواقف من المنتدى، ومن رئاسته بالذات، فقد ظل، خلال المأمورية السابقة، حاضرا بقوة في المشهد بكل تفاصيله، فالإعلام تناول المعارضة والنظام والحوار في الأخبار وبالتحاليل والتعاليق والمقالات بشكل غير مسبوق، فقط لأن المنتدى حرك الساحة وخضخض المياه السياسية الراكدة منذ فترة. والبعثات الدبلوماسية تم إطلاعها، بشكل دائم، على حقيقة الوضع ومطالب المعارضة وتعنت النظام، والتجمعات النسوية والطلابية والشبابية تم الاتصال بها في مهرجانات وملتقيات أتت أكلها في التعبأة والمناصرة. أيها الجمع الموقر، لم يبق لنا الآن ونحن نودع هذه المأمورية، إلا أن ندعو الله للقيادة الجديدة بأن يسدد خطاها في مهمتها. والله ولي التوفيق، والسلام عليكم. ذ/ أحمد سالم ولد بوحبيني
تصنيف: