حول فضيحة سونمكس

من المعلوم -ضرورة- أن التعلق العاطفي والفخر التام بالانتماء والتفاني في حب الأمة كلها عناصر إثبات للوطنية بالإضافة إلى دعم الوجود و واتخاذ أنجع السبل الضامنة لاستمرار القيام وصون المصالح و تحقيق التقدم والنماء والازدهار بغض النظر عن طبيعة الارتباط و فاعلية كل تلك العناصر في تحديده ؛

إذا خلا الانتماء الوطني من أساليب التضحية التي تدفع إلى حب الوطن وتحريك روح الإيثار بين المواطنين -حفاظا على مصالح الأمة- فهو مجرد إطار وهمي يفتقد إلى كل الأسس الأخلاقية التي تعد الدعامة البنيوية للانتماء الوطني و محددات هيكلية لهرم الوطنية ؛

إن تضحية المرء بفرديته لصالح الأمة وتغليبه لمصالحها على مصالحه يعد تجاوزا ناجحا لاختبار الوطنية ، ثم إن وجود الالتزام الضروري الذي يصون المصلحة ويحفظ الهم المشترك ويراعي حقوق أفراد الدولة ؛ هو ذروة الإنسانية وتاج الوطنية .

بالوقوف -قليلا- عند المعاني السابقة نجد أن انتفاء هذه الشروط أو الحيد عن بعضها يعطي نتائج عكسية تترتب عليها تقييمات سلبية ؛ تخرج المتصف بها من دائرة الوطنية ذات القطر الكبير إلى خندق اللصوصية البغيض وحفر الإجرام الحارقة وحظيرة الخيانة العفنة المنتنة التي تظهر شوائبها على المحيّا فتقتل فيه البهاء والحسن والملاحة وتتغلغل في الكنه فتملأ القلب إثما وخبثا وتحسرا وكراهة ..!!

إن ما أثير حول فضيحة سونمكس من أساليب إجرامية تتميز بالتفنن في التحايل على المال العام ، وهدر ممتلكات الدولة بالرغم من وجود حملة كبيرة وشعار عريض أطلق ضد الفساد والمفسدين وطالت سياطه وحباله كثيرا منهم -عمال الخرينة مثلا- لم تمنعهم منه المحاولات القبلية البائدة ولم تشفع لهم فيه التحالفات المبنية على المحاصصات ومسالك النفعية ، وإن كان هؤلاء ما زالوا ينتظرون -حسب ذويهم- ؛ محاكمة عادلة ؛ تدين المجرم الحقيقي وتمنح البريء ما أفقده الاعتقال إياه .. !؟

لقد تميزت فضيحة سونمكس بغياب الوطنية تماما عن رموز العملية وتميزت كذلك بانعدام الوازع الديني وموت الضمير ؛ إذ من غير المعقول أن تتم هذه *العملية القذرة* بتدبير رجال كبار في السن -بلغوا من الكبر عتيّا- ولهم من الرواتب والامتيازات المالية والسمعة الاجتماعية ما يدعو إلى الصيانة والابتعاد بالصيت عن التشويه والإهانة ؛ وكان سبيلهم الأوحد في دفع الفضيحة هو تدافع التهم ؛ الذي أبان عن لامسؤولية المسؤول وخيانة المؤتمن وسرقة الشريف وأكل مال المواطن الضعيف وبيع الوطن من طرف من أحسن إليهم من أبنائه ؛ الذين قابلوا إحسانه بالإساءة وبراءة مواطنيه بالاستغفال واستباحة الأموال وثقة قيادته فيهم بالخيانة .!

لا ينبغي أن تمر هذه القضية بسلام على كل من يثبت تورطه فيها ؛ فأموال الشعب الفقير حَرِيّة بالإرجاع ، ومشاريع التنمية يحتاج منها الكثير مزيد الدعم وزيادة التمويل والتعميم سبيلا إلى تقليص نسبة البطالة ومحاربة الفقر بتوجيه المشاريع التنموية إلى الأوساط الهشة وإشراكهم في العمالة النشطة والاستفادة من قدراتهم الشخصية من أجل النهوظ بمستوى الدولة والدفع بعجلة التنمية ..

إن اعتراض هذه *الديناصورات* البشرية لأموال الشعب ومقدرات الدولة وتبديدها في نزواتهم أو لاحتفاظ بها إلى قابل أوقاتهم -لذات الغرض-  يعد جرما ما بعده جرم وخطيئة تصغر في ظلها كل الخطايا.

علينا أن نستحدث طرائق لزرع الوطنية وإحياء الضمير في موظفينا وعلينا بتفعيل التفتيش ؛ فلو أن ذلك كان متبعا من ذي قبل لتم كشف هذه الأساليب اللصوصية والسرقات الكبيرة لأموال الشعب في وقت أنسب ولتم توفير ما هو أفضل من الذي تم تداركه ؛

 وعلينا أن نجعل من كل من يبتدع هكذا صنيع عبرة لمن يعتبر ؛ وعلينا أن نراعي في تقويمنا للموظفين -في المستقبل- البعد الأخلاقي والوازع الديني وصحوة الضمير.

عثمان جدو

تصنيف: 

دخول المستخدم