حذار من سياحة تنهب وتدمر الشواهد التاريخية لحضارتنا ...!

  "توطدت الصلة أكثر بين "شقران"[i] والآنسة "ماريا"[ii]، واستمرا في التواصل عبر الأنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي.

طلبت منه في آخر مرة، قبل عدة أشهر، أن يحضر لها بعض المنقولات الأثرية حسب مواصفات معينة. وقد أرته صور النماذج المطلوبة، وشرحت له ما تنتظره منه.

لم يكن الأهالي يرون غضاضة في الاتجار بالمنقولات الأثرية، رغم أنه محظور بموجب القانون. بل إن اغلبيتهم لم يكونوا على علم بذلك الحظر.

في الحقيقة لم تكن السلطات تبذل أي جهد للتحسيس حول الموضوع.. بل كانت تتساهل حتى مع الأهالي الذين كانوا يبيعون المنقولات الاثرية على قارعة الطريق، وعلى مرأى من الجميع في المدن والحواضر الكبرى.

أما في البلديات الريفية عموما، فيظل وجود سلطة الدولة محدودا ورمزيا. وبالتالي لا أحد يهتم بتطبيق القانون في تلك الربوع، خاصة إذا تعلق الأمر بموضوع حفظ الآثار والتراث، والعناية بالمقتنيات الثقافية، باعتبارها جزء من تدبير الهم العام، ورعاية الملكية الفكرية العامة للأمة.

كان التعاطي السائد مع الموضوع يستند إلى معادلة بسيطة وغريبة في ذات الوقت. كانت الأولوية هي تسهيل كل ما يساعد الناس على تحسين أمور معيشتهم اليومية.. لكن المفارقة هي أن هذا المنطق أصبح مجرد مبرر لبيع الشواهد الحضارية وتخريب تاريخ الانسان والأرض. إنه منطق ينظر إلى الآثار والثقافة والتراث والفن كنوع من الترف الفكري والجمالي، الذي لا يحظى بالأولوية على السلم المعمول به في هذه البلاد.

لقد بلغت حالة التسيب الشديد في هذا المجال، ان افتقدت ابسط المقومات الضرورية للحفاظ على المواقع الأثرية وعلى الكنوز الي تسخر بها. فلم تكن توجد أي حراسة على تلك المواقع، ولا أية إجراءات وقائية لحمايتها من العبث او التلف او السرقة، فضلا عن عدم وجود سجلات لتوثيق المنقولات الأثرية الموجودة فيها، أو على الأقل السعي لتفقدها من حين لآخر، والمطالبة باسترجاع ما ضاع منها عند الاقتضاء[iii].

(...) آدرار كتاب مفتوح، يمثل التاريخ الحقيقي للمنطقة والبلاد. كل شيء مدون والرسم والنقش على الحجارة والصخور. لكنه ارشيف هش، تتضافر ضد بقائه عدة عوامل ياتي في مقدمتها الإهمال والتغرية والضياع والنهب".  

 


[i]  مرشد سياحي في منطقة آدرار في موريتانيا

 

[ii]  سائحة قدمت من دولة غربية إلى مدينة أطار الموريتانية.

 

[iii]  نقلا عن : محمد السالك ولد إبراهيم: "لغز إنجيل برنابا"، صفحة: 56- 57.

 

تصنيف: 

دخول المستخدم