تنمية الريف مفتاح التنمية السياسية

تُعد التنمية السياسية أحد اضلاع مثلث التنمية الشاملة،وغالبا ما يتم اهماله والتركيز على الضلعين الآخرين-أي التنمية الاقتصادية والاجتماعية ـوقد نشأ هذا المفهوم بعيد نهاية الحرب العالمية الثانية، ليتطور في عقد الستينات من القرن الماضي بعد نيل معظم المستعمرات لاستقلالها.

إن اهم التحديات التي واجهت الأقطار الحديثة التشكل تكمن أساسا في إرساء دولة القانون، وبناء المؤسسات السياسية، وتدعيم المشاركة السياسية الفاعلة، بما يضمن اشراك الناس- كافة الناس - في صنع القرار الوطني، مما يعزز البناء الديمقراطي ويُقوي أركانه.

 

التنمية الريفية مفتاح التنمية السياسية

تشكل الارياف في بلدان العالم الثالث خزانا ديموغرافيا هاما، يساهم بشكل مباشر في تحقيق التوازن المجتمعي، فالريف هو العمق الاستراتيجي للمجتمع، لكونه المسؤول عن توفير الامن الغذائي واليد العاملة الغير مدربة، وقد وعت العديد من البلدان لأهمية هذا الدور، فتبنت الاستراتيجيات التنموية لتطويره مما حقق التوازن التنموي والعدالة الاجتماعية بين قطبي المجتمع الحضر والريف، ووفّر الارضية الخصبة لإشراك الريف في صنع القرار وبالتالي تحقيق التنمية السياسية.

لم تنجح بلادنا للأسف في تحقيق هذا التوازن، حيث اهملت الاقتصاد الريفي، مما انعكس على الزراعة والتنمية الحيوانية، حيث ظلت الاستثمارات في هذين القطاعين دون المستوي، وما تحقق منها جاء على صورة ترضيات لإسكات المطالبات الاجتماعية، دون ان يرقي لمشاريع تحقق الرفاه والتنمية لساكنة الريف.

ان اهمال الاقتصاد الريفي والتركيز على الاقتصاد الحضري، تسبب في ضعف بنيوي للبناء المجتمعي، فأصبح سكان الريف عالة على المجتمع، فكل المؤشرات حمراء، والشعور بالغبن والتهميش هو السائد، وقد انعكس هذا الاهمال على المشاركة السياسية، نتيجة ضعف الوعي، وارتفاع الأمية وانتشار الفاقة، وتردي الخدمات العمومية، وهجرة الشباب، كلها عوامل تُقصي الريف من المشاركة السياسية الفاعلة، وتجعله فريسة لقوي الاقصاء فيفقد قدرته على التأثير والاختيار الواعي.

لقد استنتج منظرو الاستبداد بان ابسط وأنجع وسيلة للتحكم في المجتمع تكمن في اهمال الريف، فالجاهل المحتاج هو عبد طيّع وفريسة سهلة لنزوات الساسة، وبما ان ساكنة الريف يتجاوزن في بلادنا 60% -اغلبهم من النساء والاطفال والشيوخ-فيمكن بسهولة فهم سبب تعثر التنمية السياسية.

 

الريف دروس وعبر

تشير كل الدروس المستخلصة من بلدان العالم الثالث بان الريف مرآة عاكسة لنجاعة جهود التنمية في المجتمع، كما انه مؤشر قياس دقيق لرفاهية وعدالة المجتمع، ويمكن اختصار بعض تلك الدروس والعبر فيما يلي:

  • البلدان التي اهملت الاقتصاد الريفي تعاني من ضعف بنيوي للأمن الغذائي؛
  • إن اهمال الريف يعني التفريط بالبعد البيئي؛
  • إن اهمال الريف هو اقصاء للنساء باعتبار انهن يشكلن غالبية ساكنة الريف؛
  • كان اهمال الريف من مسببات ما يعرفبالربيع العربي؛
  • إن اهمال الريف هو سبب ما نعانيه اليوم من الازمات السياسية؛

يُعد الريف الخاصرة الرخوة التي يُستهدف منها المجتمعاليوم، لذلك فعلي القوي السياسية ان تدرك ان البناء الديمقراطي لن يكتمل مادام التهميش يسود الريف، فلا تنمية شملة بدون تنمية سياسية، ولاتنمية سياسية ما دام سكان الريف مغيبون عن المشهد السياسي.

لقد آن الأوان للنهوض بالقطاع الريفي في بلادنا ولن يحدث ذلك قبل تبني استراتيجيات حقيقية ،تأخذ في الحسبان دور واهمية هذا القطاع الحيوي في تحرير الانسان الريفي، وتمكينه من المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بشكل فاعل ،مما سينعكس ايجابا على التنمية الشاملة، ويُضفي عليها بعد المتانة والاستدامة، فالسنغال مثلا نجت من تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية الاخيرة ،بفعل ديناميكية ومتانة قطاعها الريفي ،في حين عانت بلادنا كثيرا بسبب اعتمادها على قطاع الصناعات الاستخراجية ذلك القطاع البراق والقليل المرونة. 

المهندس: الهيبة سيد الخير

تصنيف: 

دخول المستخدم