تخليدا واحتفاء برائد الدبلوماسية الموريتانية: المرحوم حمدي ولد مكناس...

تشاطر موريتانيا المعلومة صاحب النص التالي مشاعر الامتنان والإعجاب الجياشة التي عبر عنها ويكن  لرائد الدبلوماسية الموريتانية تغمده الله برحمته الواسعة. وتعزيزا لما بينه وفصله المؤلف، فإننا ندعو السلطات العليا في الدولة إلى اتخاذ اجراء رمزي، بسيط وعميق في آن واحد؛ لأنه يكرم المرحوم و يخلد اسمه في الذاكرة الجمعية للوطن ولأجيال الدبلوماسيين الحاليين والقادمين. إذ نقترح أن يحمل المقر الحالي لوزارة الخارجية والتعاون أسم : "المرحوم حمدي ولد مكناس".

عن هيئة التحرير:البخاري محمد مؤمل- المدير الناشر.

-----------------------------------------------------------------------------

 

حمدي ولد مكناس .. ذاكرة الدبلوماسية الموريتانية / بقلم : محمد الأمجد ولد محمد الأمين السالم

أكتب عن المرحوم حمدي ولد مكناس لأقدمه من خلال شخصيته وتجربته ومساره المهني وسلوكه الشخصي باعتباره نموذجا للوطنية والصدق والنزاهة  كي  يحتذي به جيل من الموظفين والسياسيين الموريتانيين عقيدته الجري واللهث وراء المادة وبضاعته الثقافية والسياسية غثة مزجاة، صوح نبت وطنيته وأحاطت القبلية والعنصرية والجهوية بتفكيره إحاطة السوار بالمعصم عل وعسى أن يستفاد من النموذج ويحتذى بالمثال..*

وُلِد حمدي ولد الشيخ ولد مكناس سنة 1932 في شبه جزيرة نواذيبو

وهو من ناحية الهوية الاجتماعية حمدي ولد الشيخ ولد احمد ولد محمد ولد مكناس من مجموعة الگرع العربية و أمه هي ابنة منت الزين من الشرفاء لعروصيين

وللشيخ ولد مكناس بالإضافة إلى حمدي أبناء سادة همأحمد محمود وعبد الله وكريمات هن: سلم بوها وخدامة رحمهم الله جميعا.

نشأ المرحوم حمدي ولد مكناس في أحضان بئة اجتماعية عربية أصيلة جمعت بين قيم الفروسية والمروءة وتقاليد القيادة السياسية والاجتماعية، فقد كان آباؤه قادة وزعماء عرفت مكانتهم المتميزة ببلاد شنقيط وبمنطقة الساحل بصفة خاصة وقد كان والده الشيخ ولد مكناس رحمه الله قامة كبيرة في مجالات الفروسية والحكمة والقيادة السياسية والدفاع عن المظلومين فهو بحق أمير لو ترسخت تقاليد الإمارة بمنطقة الساحل كما يقول أحد الباحثين، بذلك أذعن له المعاصرون من مناصرين ومناوئين.

المسار الدراسي:

كما كان المرحوم حمدي ولد مكناس معروفا بالاجتهاد والإخلاص في مساره المهني فقد عرف كذلك بالتميز والاجتهاد في مساره الدراسي حيث حصل على أبرز الشهادات والديبلومات ومن ذلك:

 ـ شهادتي الدروس الابتدائية والإعدادية  ـ شهادة الباكالوريا

ـ الليسانس و الدكتورة في القانون العام (شعبة العلاقات الدولية) في جامعة سوربون بباريس

المساهمة في تأسيس دولة ناشئة 

بعد دخوله الحكومة الموريتانية في منتصف عقد الستينات، ساهم حمدي ولد مكناس بفعالية في بناء موريتانيا المعاصرة،وذلك من خلال مختلف المأموريات التي تقلد وخصوصا حقيبة الخارجية والتعاون التي أبان من خلالها عن موهبة دبلوماسية فائقة في وقت كانت موريتانيا الفتية تحتاج إلى تلك الموهبة لتفرض لنفسها مكانا تحت الشمس.

ففي ظرف دولي غير مستقر وعدائى، وجد حمدي ولد مكناس نفسه سنة 1968 مكلفا بإدارة وزارة الخارجية للجمهورية الوليدة، التي كان عليها النهوض كدولة مستقلة لتأخذ مكانها في مصاف الأمم الحرة، حيث قاد الدبلوماسية الموريتانية ببراعة نادرة طيلة عقد من الزمن، و كان زعماء العالم يستشيرونه في القرارات ذات الطابع الجيو سياسي خاصة الأفارقة منهم. كانت مؤهلات حمدي الدبلوماسية التي تعترف بها المجموعة الدولية والإفريقية هي التي جعلته يلقب "برجل الأوقات الحرجة"

طوَّر الدبلوماسية و نمَّى الحوار بين الشعوب و الأمم، وكان مطلعا و متابعا للقاءات الدولية التي تتمحور حول السلام الدائم، وقد تجسد ذلك سنة 1969 حينما نجحت مبادرته في جمع سفراء الدول الإسلامية المعتمدة لدى الأمم المتحدة، بعد حريق المسجد الأقصى، ذلك الجمع الذي تمخض عن قمة الملوك و الرؤساء ورؤساء الحكومات، حيث شكلت هذه القمة مناسبة لزيارة رئيس الجمهورية السيد المختار ولد داداه المملكة المغربية لأول مرة، وفي هذا اللقاء ولدت فكرة المؤتمر الإسلامي للحوار بين الشعوب ـ افريقيا وآسيا وأوروبا ـ .

كان يؤرقه كثيرا التدهور المستمر لتماسك الوحدة الوطنية و خطر التصدع الطائفي، الذين كانا يترصدان موريتانياكان عليه أن يواجه المسائل الحقيقية التي كانت تعرقل بناء الأمة الموريتانية كان مناصرا لا يلين لموريتانيا متصالحة مع ذاتها و كان يتقبل بفخر إنتماءه العربي الإفريقي، لقد أكد حمدي ولد مكناس لمجلة جن آفريكما يلى:

"أنا أتموقع سياسيا حيث كنت دائما، بعيدا من كل تطرف وعن كل تعصب كما أنني معني بمصير بلدي ووحدته و استقلاله و إزدهاره، و في جميع الحالات، سأحاول دائما قدر المستطاع، حيث ما وجدت وبشكل مناسب، أن أكون مفيدا لموريتانيا"....

الشهامة تملي المواقف الشريفة

حين علم المرحوم حمدي ولد مكناس بالانقلاب على حكومة رئيسه يوم 10 يوليو 1978 وهو حينها يمثل بلاده في مؤتمر إفريقي بالسودان اختار العودة إلى بلاده شريفا على المنفى ولو كانت الضريبة السجن كما حدث له بالفعل كما أملت عليه نزاهته الفكرية وشهامته وزهده في حطام الدنيا أن يسلم لقادة الانقلاب صكا بمبلغ مالي معتبر هو عشرة ملايين دولار حصل عليها كمساعدة لموريتانيا من أمير خليجي

مسار مهني متميز:

يبرهن المسار المهني للمرحوم حمدي ولد مكناس بما فيه من غنى وفعالية على المزايا الثقافية والعلمية التي حباه الله بها، فقد تقلد العديد من الوظائف السامية أغلبها رتبة وزير وذلك فيما بين سنتي 1966 و 1978 حيث عمل رئيسا لديوان وزير الوظيفة العمومية ثم مفوضا عاما للشباب بدرجة وزير فوزيرا للخارجية والتعاون فوزيرا للدفاع لعدة شهور ليعود وزيرا للخارجية والتعاون وهو المنصب الذي ظل فيه حتى العاشر يوليو 1978 ومنذو سنة 1978 ولغاية الاستحقاقات الرئاسية الموريتانية سنة 1992 تسابق الكثير من رؤساء وملوك وأمراء إفريقيا والعالم العربي للاستفادة من تجربته الدبلوماسية الغنية وحكمته وخبرته الدقيقة بالملفات الإقليمية والدولية فكان المستشار الخاص للكثير من أولئك الزعماء كما ساهم بفضل مكانته الدولية ووسطيته ومكانته الخاصة في نفوس مختلف شرائح المجتمع الموريتاني في قطع دابر الفتنة التي كادت تعصف بموريتانيا سنة 1989.

وبعد عودته لمعترك السياسة الموريتانية من خلال تأسيس حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم تقلد منصب وزير مستشار برئاسة الجمهورية سنة 1997.

الترشح والتنازل عن الترشح:

من المعروف أن حمدي ولد مكناس كان مرشحا رئيسيا لمنافسة معاوية ولد سيدأحمد الطايع في رئاسيات 1992 وقد حصل على دعم السيد أحمد ولد داداه في حالة حزم أمره وترشح لكن سببا ما جعل حمدي ولد مكناس يتخلى عن الترشح ويدعم السيد أحمد ولد داداه الذي حصل على الرتبة الثانية بعد ولد الطايع في انتخابات شابها التزوير وعدم المصداقية   

ومع المكانة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي توفرت للمرحوم حمدي ولد مكناس فقد عرف بالالتزام الديني والزهد في حطام الدنيا كما عرف بالتواضع ونكران الذات وحسن الخلق والحكمة ذلك ما يشهد به من عايشوه من عمال وموظفين وأصدقاء وجيران كما عرف بعدم التخندق القبلي والجهوي حيث نآى بنفسه طيلة عهد المختار ولد داداه عن الارتباط بحزب الشعب الموريتاني فلم يكن يشارك في حملات التعبئة الحزبية أو انتخابات الأقسام والفروع ويشهد كل سكان منطقة الساحل ومنطقة نواذيبو مسقط رأسه على هذه الحيادية الإيجابية وقد مكن هذا السلوك المتميز المرحوم حمدي ولد مكناس من التفرغ للعمل لصالح الدولة وذلك ما مكنه من أن يكون محل ثقة الكل.

بقلم : محمد الأمجد محمد الأمين السالم

تصنيف: 

دخول المستخدم