تخبط فرنسا في الساحل : ذريعة الجائحة لن تنقذ ماكرون !

الشعور بالإهانة بدأ قبل وقوع الحدث المسبب له؛ ولو أن النظام الفرنسي يحاول اخفاء الأمر. فقد تواتر رأي مراقبين كثيرين على أن الرئيس الفرنسي هو الخاسر[i] في زيارته لمالي التي كانت مقررة يوم الاثنين المقبل. وكرد على ما بينوا، تم الغاء الزيارة تحت ذريعة "الاحتياط الصحي" في ظل انتشار الموجة الخامسة من جائحة كوفيد 19. غير أن هذا المبرر الذي قدمه الإليزيه يخفي أسبابا أخرى هي الدافع الحقيقي وراء عدول مانويل ماكرون عن تلك الزيارة.

 لقد كان من المتوقع أن أن تُستقبَل زيارته بتحركات شعبية في باماكو وغيرها من المدن المالية، مناوئة لفرنسا ولوجودها العسكري في البلد. وهذا يضر طبعا بسمعة الرئيس ماكرون في وقت يتأهب فيه لخوض انتخابات رئاسية من أجل مأمورية ثانية. كما أن اجتماعه بالعقيد أسيمي اگويتا، رئيس المجلس العسكري الحاكم، كان سيعطي مشروعية لهذا الأخير تتناقض تماما مع المواقف الراديكالية التي اتخذها الرئيس الفرنسي ضد النظام العسكري الحاكم في البلد. ويزيد من شعور ماكرون بالإهانة والفشل أنه لم يفلح في اقناع مضيفه، العقيد آسيمي اگويتا، بأن يحضر معهما طرف ثالث من مجموعة دول غرب افريقيا الاجتماع، بشكل يضفي صبغة تشاركية بين فرنسا والمنظمة الغرب افريقية حول الملف المالي، ولا يترك الرئيس الفرنسي وحده على الساحة في مواجهة الانقلابين. هذا بالإضافة إلى أن مواضيع الخلاف السياسية والاستراتيجية بين الطرفين (تخفيض حجم قوات برخان وإعادة ترتيبها، تعاون الماليين مع شركة فاگنير، تحديد مدة الفترة الانتقالية، التفاوض مع "الجهاديين"...) لم تشهد جديدا من الجانب المالي يمكن استثماره أو البناء عليه من طرف الزائر الفرنسي.

وفي هذه الظروف غير الملائمة، كانت زيارة مانويل ماكرون محفوفة بمخاطر جمة من الصعب ألا تترك آثارا سلبية على صورته داخل فرنسا وخارجها. ويبدو أن أقرب سبيل لديه، لتفادي الخطر، كان ركوب موجة كورونا من أجل الغاء الزيارة. والمبرر وارد بالنظر لمستوى انتشار الوباء الآن في أوروبا وفي العالم، غير أنه لا يكفي لأزاحة التعاليق والأسئلة المريبة حول الغاء الزيارة بيومين قبل موعدها. إذ أن قرارا مفاجئا في مجال دبلوماسي حساس من هذا النوع يثير تساؤلات خطيرة حول مدى اتساق السياسة الخارجية الفرنسية، لا سيما في إفريقيا ومنطقة الساحل على وجه الخصوص. وسوف نكتفي بسؤالين نختتم بهما:

  • عدم الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة، هل يجوز أن يقابله تخبطٌ وعدم استقرار في تعاطي فرنسا مع التحديات الأمنية والجيوستراتيجية هنالك، بوصفها أبرز حليف عسكري لدول الساحل؟
  • وفي هذه الحالة، ما ذا ينبغي فعلُه بالنسبة للبلدان المعنية، خاصة في مجموعة دول الساحل الخمس، حتى لا يبقى تحقيق أمنها الوطني منوطا بإرادة النظام الفرنسي وتقلبات رؤيته الجيوسياسية التي تتقلص أدواتها وقوة نفوذها الخارجي يوما بعد يوم؟

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

 

 

تصنيف: 

دخول المستخدم