بيجل ولد حميد رئيس حزب الوئام و مسعود ولد بلخير رئيس حزب التحالف الشعبي هما الوجهان الأكثر بروزا لأحزاب المعارضة المشاركة في "الحوار الوطني الشامل" الجاري الآن في قصر المؤتمرات تحت رعاية رئيس الجمهورية. ويستمد الرجلان نفوذهما من خبرتها المهنية الثمينة ومن تاريخهما الغني بالنضال وإن كان مسار الرجلين متباينا في هذا المنحى.
لقد بدأ نضال بيجل في السبعينات مع انضمامه لحركة "الكادحين" اليسارية الراديكالية المناوئة لحكم المختار ولد داداه في تلك الفترة. ثم تحول كفاحه السياسي ـ أو على الأصح تواصل ـ بعد ذلك في الثمانينات والتسعينات إلى مكافحة العبودية عبر حركة " الحر" التي كان من أهم الأدمغة المدبرة فيها؛ وهنا التقى مساره مع مسعود ولد بلخير الذي ظهر حينها بوصفه من أبرز حملة راية "قضية لحراطين" ومكافحة العبودية ومخلفاتها.
بالإضافة لهذا النضال التاريخي ـ وبسببه أيضا ـ حاز الرجلان على تجربة ثرية نالاها بفضل تقلدهما لأعلى الوظائف السياسية والإدارية في الدولة بينت أنهما رجلا دولة. كل هذه العوامل مجتمعة وغيرها تجعل منهما شخصيتين نافذتين على المستوى الوطني لدرجة أنهما لم يعودا يتكلمان باسم شريحة معينة وإنما يقدمان تصورات سياسية شاملة تبتعد أكثر فأكثر من أية رؤية طائفية رغم أنهما يختلفان من حيث درجة التعاطي مع هذا الموضوع. فعلى سبيل المثال يرفض بيجل تماما الانضمام إلى حركة "ميثاق لحراطين" التي كان يترأسها المرحوم محمد سعيد ولد همدي المعروف بوسطيته واعتدال مواقفه. ورغم ذلك، وخلافا لمسعود، رفض بيجل المشاركة في نشاطات "الميثاق" ومسيراته مبررا موقفه بكونه ٍرئيس حزب وطني يضم كل الموريتانيين وله برنامج ورؤية موجهة لموريتانيا كلها.
وتظهر اليوم خلافات أخرى بين الرجلين تتعلق بالحوار ومضمونه. فبيجل وحزبه لا يوافقان على مقترحات تقدم بها مسعود وزملاؤه : يرفضون زيادة سن الترشح للرئاسيات ـ بل يرون أن طرحها للنقاش غير وارد لأنها لم تكن ضمن مواضيع جدول الأعمال المقررة على حد قولهم. كما أنهم لا يوافقون على إنشاء وظيفة "مساعد لريس الجمهورية". ويقبلون بمبدأ تغيير العلم وتغيير النشيد الوطني.
وتلتقي مواقفهم هذه مع حزب الإتحاد من اجل الجمهورية الحاكم.. ولو أنهم يختلفون جذريا معه في طريقة رده على زملاء مسعود حينما واجههم بطرحه قضية "المأمورية الثالثة" التي يرفضها "الوئام" رفضا تاما..لا يقبل معه أية مساومة حولها.
ويبدو أن بيجل يلقى منذ اعداد الحوار آذانا صاغية لدى الرئيس محمد ولد عبد العزيز لاشك أن مسعود يتوق إلى مثلها. وهنا قد يكمن موضوع لتنافس غير معلن بين الرجلين. كما أن أيا منهما يعمل على إن يبني علاقة ثقة ـ أو على الأقل علاقة احترام متبادل ـ مع أطراف المعارضة المتشددين الرافضين للحوار تسمح له ـ كلما دعت الحاجة لذلك ـ بأن يلعب دور الوسيط بينهم وبين النظام.
ولا غرابة في أن يكون تباين المواقف بين الزعيمين حول هذه المسائل وغيرها قد يكون له أثر على مجريات الحوار. فتعليق حزب التحالف لمشاركته الذي أعلنه أمس قد يكون من دوافعه الخفية أن مسعود بحاجة إلى مناورة تذكر الرئيس عزيز والفرقاء الآخرين أنه هو أيضا شريك سياسي لا يقل أهمية عن بيجل ولا عن غيره من المتحاورين.. وأنه يجب التعامل معه على ذلك الأساس .. أي : بوصفه من الفاعلين السياسيين المؤثرين وقادة الرأي الذين لا غنى عنهم في موريتانيا وخاصة في الظرفية الراهنة..
البخاري محمد محمد مؤمل
تصنيف: