بوركينا فاصو تنشر لائحة ب 146ارهابيا مطلوببن من الأمن.. وعلى موريتانيا ان تتعامل بحذر وحزم مع تزايد التهديد

بوركينا فاصو: وزارة الداخلية تنشر لائحة ب 146مطلوبا من الأمن  توحي بتوغل خطير للإرهاب في البلد

في سابقة هي الأولى من نوعها، أعلنت رسميا وزارة الداخلية في دولة بوركينا فاصو أمس عن لائحة بأسماء 146 متهما بممارسة الإرهاب أو بالضلوع فيه طالبة، من المواطنين ابلاغها بأي معلومات حول المعنيين بغية توقيفهم، حيث كتبت مصالحها المكلفة بالاتصال والصحافة: 

"في إطار محاربة الإرهاب تبحث وزارة الأمن بنشاط عن 146 متهما يشتبه بكونهم إرهابيين. ويرجى من أي أحد يعرفهم أو لديه معلومات تعين في القبض عليهم أن يتصل فورا بالمصالح الأمنية (الشرطة، الدرك) الأقرب إليه، أو أن يتصل بها عبر أرقام الهاتف 10 10؛  16؛17 .

وله جزيل الشكر مسبقا."

  ثم فصلت الوزارة في وثيقتها، وعلى شكل جدول، معلومات دقيقة عن كل واحد من المطلوبين ال 146: اسمه، تاريخ ومحل ميلاده، محل إقامته، والعمليات أو النشاطات الإرهابية التي يشتبه في قيامه بها.

الخطر ينتشر داخل نسيج المجتمع...

ويلاحظ ان المعنيين بوركينابيون في جلهم، إن لم يكونوا كلهم.. وأن من بينهم منتخبون محليون وأئمة مساجد، وابن رئيس مجموعة عرقية (إفلان)، وعسكريون سابقون في الجيش, وباعة متجولون، وتجار، وعمال...

كما يلاحظ أن التهم الموجهة لهم ترتكز على معطيات متنوعة وخطيرة تظهر انتشارا متجذرا للإرهاب داخل البلد.. كما تقيم التهم في نفس الوقت روابط بين المعنيين مع الجماعات الإرهابية الناشطة في دولة مالي؛ حتى وإن كانت المعلومات المقدمة في هذا الباب تنقصها الدقة احيانا.

ويتبين على ضوء مجموع هذه البيانات أن التهديد الإرهابي متغلغل في بوركينا فاصو بدرجة كبيرة تمس النسيج الاجتماعي للبلد..

 الوساطات المريبة في ملفات الرهائن...  

وقد تعود بدايات هذا التغلغل إلى عهد الرئيس السابق بليز كامباوري الذي كان يتعامل مع الإرهابيين بشكل "ناعم" جدا تبعا لطرق مريبة، أدت بمراقبين متعددين إلى التساؤل عن الدوافع الحقيقية والخفية للوساطات التي كان يقوم بها نظام كامباوري عبر بعض مستشاريه المثيرين للجدل مثل الموريتاني ولد الشافعي الذي تدخل بفعالية في قضايا تحرير رهائن اختطفهم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

وقد تردد آنذاك أنه كانت لولد الشافعي صلات ثقة محيرة مع مختار بلمختار ومع زعامات جهادية أخرى في المنطقة، لدرجة أن البعض اتهم ولد الشافعي ونظام بليز كامباوري بالتواطؤ مع مختطفي الرهائن بغية الحصول على نصيب من الفديات الكبيرة التي تدفعها الدول الغربية عن طريقهم مقابل اطلاق سراح مواطنيها المختطفين. بينما يقولون هم أن دوافعهم إنسانية بحتة وينفون أي علاقة لهم بأموال الفديات. وهو نفس الخطاب الذي ردده إياد أغ غالي لما "ساعد عام 2003 في إطلاق 14 أوروبياً أغلبهم من الألمان ، كانوا مختطفين من قبل مجموعة مسلحة مرتبطة بالقاعدة في الجزائر ، وتقول مصادر إنه أصبح ثرياً بعد أن تلقى عمولات نظير وساطات قام بها لإطلاق الرهائن" (موسوعة ويكيبيديا).

وكملاحظة عابرة، تجدر الإشارة هنا إلى أن إياد أغ غالي يتزعم اليوم أخطر جماعة جهادية في منطقة الساحل – جماعة نصرة الإسلام والمسلمين- وهو يحتجز الآن رهائن من بينهم العجوز الفرنسية صوفي بيترونين التي كانت سخرت نفسها للعمل الإنساني والخيري لصالح الاطفال اليتامى في مدينة غاوو في شمال مالي قبل أن تختطف في نهاية عام 2016 من طرف عناصر مسلحة تابعة لإياد أغ غالي. مما يدل على أن القيام بالوساطات في ملفات الرهائن المحتجزين لدى الإرهابيين لا تمنع اصحابها من القيام  بعمليات إرهابية أو الضلوع فيها.. بل فمن المرجح ان يرتبط الأمران في علاقة عضوية لا ينبغي اهمالها.

... والمال الخفي

أما دور المال كحافز للوسطاء في ملفات تحرير الرهائن فهو أمر ليس من اليسير اثباته أو نفيه بشكل قاطع.. لأن غلافا كثيفا من السرية والتكتم يحيط بموضوع الفديات من جميع الجهات المعنية: لا المختطفون يحبون أن تظهر الفدية كحافز رئيسي لعملهم مفضلين التلويح بشعار "الجهاد في سبيل الله" بدلا من البحث عن المال الذي يتفادون الحديث عنه؛ و لا الحكومات الغربية تعترف بدفعها لفديات معبرة بذلك  عن "عدم الرضوخ لمطالب الإرهابيين" حسب ما تعلنه رسميا؛ و الوسطاء بدورهم يخفون ما يحصلون عليه منها وينكرونه مفضلين بدلا من  التظاهر بالبحث عن المال التباهي ب"العمل الإنساني".

ومهما كان الغموض أو التأويلات حول تعامل نظام بليز كامباوري مع الإرهاب وحول دوافعه هو ومقربيه، ومهما كانت عواقب ذلك السياسية والأمنية، فمن الواضح اليوم أن التهديد ينتشر في البلد بشكل خطير كما هو الحال في أكثرية دول الساحل، وأن تمدده عابر للحدود بطبيعته.

موريتانيا: الوقاية والعلاج معا..

مما يستدعي من موريتانيا أن تأخذ العبر من هذا الوضع الأمني المثير للقلق بوصفها تنتمي للفضاء الساحلي؛ وبوصفها كذلك شريكا لبوركينا فاصو ولدول "مجموعة 5 ساحل " الأخرى في محاربة الإرهاب في إطار "القوة العسكرية المشتركة لمجموعة 5 ساحل ".. تلك القوة التي تشكل هدفا معلنا للجماعات التي توصف ب"الجهادية" وفق بيانات وتصريحات "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التي تنصهر أو تتحالف تحت رايتها أكثرية الجماعات الإرهابية المنتشرة في اربع من الدول المكونة للفضاء الذي يضم"مجموعة 5 ساحل ".

وعلى ضوء هذه المعطيات وتطوراتها في دولة بوركينا فاصو وخارجها، فعلى بلادنا أن تعمل في اتجاهين متكاملتين: محور الوقاية ومحور والعلاج.

يجب عليها التحلي باليقظة في مجال السياسات الوقائية ضد الإرهاب؛ وقاية حقق فيها البلد نتائج جيدة سمحت له بتحصين التراب الوطني من العمليات الإرهابية منذ ما يقارب ثمان سنوات. لكن يجب التحلي باليقظة دائما واتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز هذه الاستراتيجية الوقائية باستمرار: تحسينها، وتحيينها، وعدم الاكتفاء بها.

فزيادة على الوقاية، ينبغي أيضا التأهب لمواجهة العمليات الإرهابية في حالة وقوعها؛ أي أنه يجب توقع ظهورها دائما داخل البلد في أي لحظة. وتبعا لذلك تحضير واعداد وسائل علاجية كفيلة بردة فعل تسمح بالتصدي للعمليات الإرهابية المفاجئة بصورة فعالة وسريعة وبأقل كلفة ممكنة. 

ملاحظة: يمكن الاطلاع على كل التفاصيل الواردة في لائحة المتهمين بالإرهاب والمطلوبين كما نشرتها رسميا وزارة الداخلية البوركينابية بالضغط هنا.

عقيد ركن متقاعد البخاري محمد مؤمل

رئيس مركز أم التونسي للدراسات الاستراتيجية

تصنيف: 

دخول المستخدم