انبيكت لحواش: رحلة في الأعماق... ( حلقة 2)/ بقلم: د. إسلكُ احمد إزيد بيه

"أثلت انياگ وامخوّلْ، وأثلت أيام وتتحوّلْ، وسبع عيمان وتتموّل"...

أعجبني مضيفنا لأكثر من مبرر، وليس أقلها أهمية حرصه على التعبد لوقت طويل، بعد أن أكمل مهامه خلال ليلة مرهقة وبعد أن نام الحي كله ؛ لقد سعدت بالصلاة خلفه فجرا والإنصات إلى تلاوته العطرة

أمام إصرار مضيفنا، اختلقت أعذارا متعددة لأجنبه ضيافة صباحية؛ ولأنني أزور المنطقة لأول مرة، وقبيل مغادرة الحي، سألت مضيفنا عن موقع "اوتد هندار"، مسقط رأس والدي رحمه الله تعالى، ففاجأني بالإجابة :

 “هو بالضبط حيث تجري الاستعدادات لتشييد المباني الإدارية للمقاطعة الجديدة"

. لقد شكلت هذه المعلومة بداية علاقة خاصة بهذه المقاطعة النائية وسكانها جميعهم.

كان طريق العودة سالكا نسبيا، رغم غياب المرشد، إذ اقتفى السائق أثر السيارة ذهابا ؛ كنا نسير شرقا، الشيء الذي مكننا من الاستمتاع، لأول مرة، بشروق شمس شتوية على هضبة "اظهر"، حيث يمتد البصر إلى آفاق الخيال.

كنت وقتها أشغل منصب رئيس جامعة نواكشوط، منصب سامي بما فيه الكفاية لمخاطبة كبار مسؤولي الدولة، ومستقل بما فيه الكفاية للتملص من إكراهات الأجندة الرسمية.

فور عودتي، سألني أحد الوزراء آنذاك :

“ أين كنت، لم نرك البارحة!"

لم يكد ينهي سؤاله حتى بدأت أقص عليه الرحلة بكل تفاصيلها، حفرا لها في الذاكرة الآنية. لاحظت أن الحاضرين كانوا "يشربون" حديثي إنصاتا. بعد نهاية "المحاضرة"، بدأت حصة الأسئلة والتعاليق والتهكم الودي...

لقد كنت أبحث بالدوام عن "قطيع" من القصص الجميلة، أرعاه رواية وكتابة وأتنازل عن بعضه، عند الاقتضاء، لصالح هواة الهدايا اللامادية ؛ فلا أهمية، بالنسبة لي، للدواب المهداة كرما، بل الكرم كل الكرم يكمن في فرصة حياكة القصة الجميلة والواقعية (أم الإبل). كم مرة قصصت رحلتي هذه على مسرح تأسيس المقاطعة الجديدة؟ أعتقد أن نسبة كبيرة من المشاركين وقتها سمعت بها.

لقد سعدت عندما روى لي مسؤول كبير في الدولة، من ولاية الحوض الشرقي، أن أهلا له في "الباطن"، وجهوا إليه دعوة لحضور حفل عشاء، فاشترط عليهم أن يعاملوه كما تمت معاملتي من طرف مضيفي...

رويت القصة، كلما أتيحت لي الفرصة، في طريق العودة إلى نواكشوط، كما قصصتها على الزملاء والمعاونين والزوار، فور وصولي العاصمة. لعلي قصصتها على بعضهم أكثر من مرة... في هذا الخضم، زارني أحد الأقارب لا ينحدر من منطقة "الحوظ"، فوقع طبعا في شراك القصة المكررة ؛ بعد عودته إلى أهله في أحد أحياء نواكشوط، بلغني أنه قال إنني أهديته قطيع إبل من سبعة رؤوس!... الشيء الذي أكد لي أهمية هذه القصة، فمنوالها واحد لكن حقيقتها تتغير طبقا لخلفية المتلقي... في الواقع، أهديت قريبي مجرد قصة، لكنها ليست كالقصص بالنسبة لي!

رويت القصة لوالدتي، أطال الله بقاءها، فردت :

"أثلت نياگ وامخول، أثلت أيام وتتحول، وسبع عيمان وتتمول".

عندها فهمت أن مضيفي اختار نوقا حلوبة، لكي يذكر بالعدد "سبعة" في المقولة الشعبية التي لم أسمع بها من قبل وأن للقصة معنى تراثيا تصعب الإحاطة به كاملا...

ملاحظة : شخصيا، لا أملك دابة واحدة ؛ أما مصير القطيع الوارد في القصة، فتلك لعمري قصة أخرى!

http://mauriactu.info/ar/articles/%D8%A7%D9%86%D8%A8%D9%8A%D9%83%D8%AA-%...

تصنيف: 

دخول المستخدم