شعر أن الوقت يفلت من بين يديه، ويتمدد إلى ما لا نهاية؛ قبل أن ينصرف عن الغوص في ذكريات عطلة الأسبوع الطويلة جدا، جدا، هذه المرة؛ لكن باله بقي إليها مشدودا من حيث لم ينتبه: انحصر تفكيره فيما كلفه عيد الأضحى الأخير.
كان الجو لطيفا والمكيف متوقفا، والزوار غائبين بسبب كورونا، على غير عادتهم. حمد الله على أنه أخذ الجرعة الأولى من اللقاح منذ أقل من شهرين، وعليه أن يتأهب للجرعة الثانية. غير أنه مهموم، لكونها لا تتوفر إلا قليلا في المستشفيات والمراكز الصحية، حسب ما سمع عند الناس. ثم شعر بقلق أشد عندما تذكر أنه قَلَّ من السكان من يولون اهتماما للإجراءات الاحترازية الصحية رغم الموجة الوبائية الجديدة التي تجتاح البلد والعالم.
بقي متفرغا في عزلته الكاذبة، وهو يكرر بصوت خافت:
- "إني أغرق... أغرق... أغرق..."
إلى أن تفاجأ بصوت جارا، وهي تسأل غير مسرورة:
-"لماذا، بابا، تضرب وتطرد قطتي الصغيرة؟ فهي ليست المسؤولة عن انقطاع الكهرباء."
أدار بصره، مبتسما، عن شاشة التلفزة-التي أصبحت بغتة ميتة سوداء، بعدما كانت مفعمة بالحركة والحياة منذ ثوان. فوجَّه نظره وركزه صوْب وجْه ابنته الناصع، وهي تُحوِّل استياءها من سوء معاملته للقطة إلى الهوة العميقة التي تفصل بينهما في مجال آخر:
-"الاستماع، يا أبي، لأغاني من تسميه "العندليب الأسمر" ولَّى عهده، كما أقول لك وأكرر دائما."
لم يرد عليها وظل يبتسم، إلى أن تدخلت مريم، والدة جارا، قائلة بلهجة عنيفة:
-"انتَ المسؤول عن سلوك هذه الشيطانة المدللة."
بقي حمه صامتا تجاه عتاب زوجته له، مكتفيا بالحديث إلى نفسه، بهدوء:
"بل المسؤول هو صراع الأجيال الذي لا تُقدِّرين حق قدره... وكذلك تقنيات الاتصال الجديدة التي تنافسني وتنافسك، بشدة، في تربيتها وتربية أخوتها."
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: