كانوا يتصورون بكل بساطة أن الناس جميعا سيشاطرونهم فرحتهم العارمة، وأن لا أحد سيعترض عليها، ولا على سعادتهم البيِّنة واستمتاعهم الشديد بالمشهد الذي خلقوا وشرحوا؛ ولا شك أن في ذلك نسبة من الحقيقة لا يستهان بها؛ بينما في المقابل، كنتُ اشعر بالمرارة تجاه ما اقدموا عليه، واشمئزُّ منه، مع يقيني أنهم لا يدركون مخاطره، (انظر: " الصيد البري: كارثة بيئية نفخر بها ونستمتع في موريتانيا ! (فيديو)").
لكنني لم أكن أتوقع أنني سوف القى ردود فعل سريعة مواتية لاحساساتي ورأيي، سيغمرني نوع من السعادة بسببها.
الرئيس غزواني يدخل المعترك البيئي من باب خطير كان منسياً...
ففور ما نشرتُ المقال، ردَّ علي قراءٌ وأصدقاء عديدون، قائلين:
"سبقك رئيس الجمهورية للحديث عن هذه الحادثة، ولاستنكار و شجب الكارثة البيئية الناجمة عن الصيد البري العشوائي، خلال زيارته الأخيرة لمدينة تمبدغه".
فبادرت أدقق في الخبر، حتي حصلتُ على الفيديو.
وكم كنتُ سعيدا بمشاهدتها: جبهة الكفاح ضد الصيد البري الفوضوي التي دعوتُ منذ ساعات إلى فتحها، كان الرئيس غزواني قد بادر منذ يومين بتدشينها على طريقتها المهذبة المعهودة. وكان صريحا وموفقا تماما في كلمته، علما أنه أول رئيس للدولة الموريتانية يتطرق علنا أمام الجميع لموضوع ممارسة الصيد البري كعملية فوضوية تشكل عاملا خطيرا في"اندثار عناصر البيئة" على حد تعبير رئيس الجمهورية. فمن سبقوه في الحكم تقاضوا عن الكارثة البيئية أو نسوها.
وينبع كلامه من قناعة راسخة لديه، إذ يؤكد العارفون بالرجل خلال مساره المهني العسكري الطويل-وأنا من ضمنهم إلى حد ما-أنه كان من بين الضباط الموريتانيين القلائل الذين لا يتذوقون ولا يمارسون الصيد البري العشوائي. وقد حملتْ كلمته المختصرة في تمبدغه رسالة تحذير، ضمنية قوية، تنبه المواطنين إلى الأضرار البالغة الناجمة عن هذه الظاهرة الوحشية المترسخة في عقليات وسلوك الموريتانيين.
الحاجة ماسة إلى استراتيجية بيئية جديدة وسريعة...
نحن نعتقد-ونرجو-أن هذه الرسالة الرئاسية تشكل إشارات أولية تنذر باتخاذ استراتيجية شاملة وفعالة حول الموضوع في القريب العاجل. ونتصور أنه سيكون من أهم محاورها العمل على الوقوف بدقة على وضع الحياة البرية في البلاد، مع التركيز على محاولة معرفة المناطق التي تعيش فيها الأجناس الحيوانية الأكثر تعرضا للصيد البري: الغزلان أو الظباء، الأرانب، الحبارى... هذا بالإضافة إلى حصر اجمالي لكميات تلك الحيوانات بغية متابعة نمو اعدادها وتطورها.
ونُذكِّر هنا بأعداد من طيورالحبارى تم استجلابها من الخارج واطلاقها في بلادنا منذ سنتين أو أكثر. وقد لمَّح إليها الرئيس خلال حثه على تغيير عاداتنا وعقلياتنا المنافية لمنطق احترام وصيانة البئة. فينبغي معرفة مصيرها والتصرف تبعا لنتائج البحث: إلى أي حد نجحت العملية؟ وهل وكيف يمكن الاستفادة من تلك التجربة في القريب العاجل وفي المستقبل المتوسط والبعيد؟
وكما قلنا في الورقة التي سبقت الإشارة إليها، ينبغي القيام بحملات تحسيس واعلام تُذكِّر الناس وتعلمهم ما نسوا أو يجهلون: القوانين والنظم المعمول بها، والمتعلقة باحترام وصيانة البيئة، خاصة فيما يعني الحفاظ على الثروة الحيوانية البرية.
وهذا يتطلب تفعيل وإعادة نشر النصوص على نطاق واسع بصورة تجعلها في متناول الجميع، مع تحيينها وتعديلها، حتى تتلاءم مع الظروف والمعطيات الجديدة. وكذلك إعادة النظر في المؤسسات والوسائل، التنظيمية واللوجستية، المخصصة للجوانب البيئية المعهود إليها بصيانة وتطوير الثروة البرية بمكونتيها: الحيوانية والنباتية.
.البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: