تشير الدلائل إلى تراجع قوي لموجة الإشاعات والتسميم التي اتسم بها كل ما ذُكر أو نُشر خلال الأسابيع القليلة الماضية في وسائل الأعلام وفي شبكات التواصل الاجتماعي وفي غيرها حول "أزمة" مستعصية قيل انها شبت فجأة بين الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني حول "مرجعية" حزب الاتحاد من اجل الجمهورية ونواب الأغلبية التابعين له.
ورغم انه لم يصدر عن أحد منهما بشكل رسمي أي قول أو بيان علني يؤكد وجود أزمة في علاقتهما، فقد شكل غياب ولد عبد العزيز عن الاحتفالات المخلدة للذكرى 59 لعيد الاستقلال الوطني في مدينة اكجوجت حدثا لم يكن متوقعا اعتبره الناس والمراقبون بمثابة مؤشر ينذر بعمق الهوة بين الرجلين.
أما الآن، فتبدو الاوضاع في طريق التهدئة والتحسن. ومن أهم المؤشرات على مرور "العاصفة" وبداية انفراج "الأزمة" ونهايتها ما ذكره وزير المالية الحالي، لما فند ضمنيا اتهامات تتعلق بتسيير المال العام وجهها البعض للرئيس السابق وتم تداولها على نطاق واسع في وسائل الإعلام المحلية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي.
فقد "أكد وزير المالية السيد محمد الأمين ولد الذهبي- حسب موقع مركز الصحراء- خلال جلسة برلمانية أمس أمام لجنة المالية ، أنه لم يتم سحب أي مبلغ من حساب الأجيال دون إذن مسبق من قانون المالية الأصلي أو قانونها المعدل وأن الحساب مراقب ويدقق كل سنة من طرف محكمة الحسابات."
وكانت شائعات خطيرة- لم يعلن عن مصادرها ولا عن الأدلة والبراهين التي بنيت عليها- قد اتهمت الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بالإستحواذ على أموال هذا الحساب، وقد أضاف اصحابها أنه فعل ذلك بالتواطؤ مع وزير المالية السابق المختار ولد اجاي. وكذب هذا الأخير الأمر.. لكن قوله لم يُزل الشكوك نهائيا بالنسبة للبعض لكونه "متهم بالضلوع" في القضية ولكونه أيضا "محسوب" سياسيا على الرئيس السابق.
أما وقد أكد وزير المالية الحالي كلام سلفه، فإن تلك التهم تهاوت ولم يبق لها معنى. ولا شك أن تدخله سيؤثر سلبا على جهود بعض النواب المعارضين للرئيس السابق وغيرهم من خصومه المتشددين، حيث يشكل ما أدلى به السيد محمد الأمين ولد الذهبي ضربة لمحاولاتهم الرامية إلى تكوين "لجنة برلمانية للتحقيق" في الموضوع.
ومن الناحية السياسية، يمكن أيضا اعتبار تدخل الوزير محمد الأمين ولد الذهبي بمثابة خطوة هامة جدا في سبيل تهدئة الأوضاع وكبح جماح الداعين إلى بث الشقاق والفتة بين الرئيسين : الحالي والسابق.
ودعما لهذا التوجه، فينبغي التذكير بأن محمد ولد عبد العزيز قد صرح في آخر ندوة صحفية يظهر فيها، بأنه لن يرضى لنفسه بأن يكون "رئيسا من وراء الستار" وأن خلفه "لن يقبل بذلك"؛ مما يعني أنه لن يشكل عقبة في وجه صديقه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
ويندرج في نفس السياق ما ذكرته جريدة "لي موند" الفرنسية-(Le Monde)- نقلا عن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. ففي مقابلة مع هذا الأخير ذكرت اليومية الفرنسية أنه قال أن محمد ولد عبدالعزيز "أخي وصديقي"، مضيفا أنهما قاما "بالكثير من الأشياء خلال الخمس عشرة سنة الماضية". ولم ينف وجود تباين بينهما في الرؤية لكنه خفف من أهميته قائلا أن الأمر عظمه الموريتانيون جميهم بدرجة زادته تضخيما وبأنه سوف يتم حله.
(انظر : Le président Ghazouani parle à un journal français: le texte intégral de l'interview)
وهذا الكلام الأخوي الرافض لتازيم العلاقات بين الرجلين يدل على أن الرئيس غزواني لا يريد بحال من الأحوال أن يسيء إلى سلفه وصديقه؛ فأحرى أن يضره أو يدخل في صراع عدائي ضده ! علما أن مذهب ولد الغزواني الفكري وتربيته يقومان على التوافق والابتعاد عن النهج التصادمي كخط سياسي أو كسلوك فردي. هذا فضلا عن كون المؤشرات السياسية والظرفية توحي بأنه في غنى عن الصراعات وإثارة الأزمات، لأن أدوات مزاولة سلطاته كرئيس للجمهورية بيده كاملة منذ اللحظات الأولي من جلوسه على كرسي الرئاسة.
وقد تبين تحكمه التام والهادئ من زمام أمور الدولة ابتداء من تعيين فريقه الحكومي.. ومرورا بخطاباته التي تخرج عن الروتين المألوف من حيث العمق ورصانة الأسلوب وغزارة المعنى وتمكنه كخطيب من حسن الأداء.. وانتهاء بكل الإجراءات والقرارات الجديدة على الساحة السياسية التي اتخذها منذ تسلمه السلطة والسائرة في إطار تنفيذ برنامجه الانتخابي تبعا "لوتيرة متسارعة"، افصح عنها وفصَّل ملامح بارزة وعديدة منها في كلمة القاها ليلة 28 نوفمبر الماضي بمناسبة الاحتفال بالذكرى 59 لعيد الاستقلال الوطني..
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
تصنيف: