السنوار ونقطتا التلاقي السيئتان لدى مخابرات اعدائه

  سقط يحيا السنوار شهيدا بطريقة فاجأت اعداءه، تماما: قصْف المدفعية والدبابات الإسرائيلية الذي قتله كان موجها ضد مقاتلين فلسطينيين تم رصدهم في بناية دون علم القوات الإسرائيلية بوجود السنوار بينهم في ذلك المكان ولا بطبيعتهم. وتبين عندئذ، خلافا لما كانت تعتقده القوات الإسرائيلية وحلفاؤها، أنه لم يكن داخل الأنفاق تحت طبقات الأرض، ولا متنكرا في زي امرأة كما قيل أحيانا ؛ بل مقاتلا على ساحة المعركة في رفح بجنوب غزة.

مما يشي بأن أجهزة المخابرات الإسرائيلية بكل مكوناتها وحلفائها، "الموساد" ( الشؤون الخارجية)، "الشاباك" (الإستخبارات الداخلية)، "أمان" (مديرية الاستخبارات العسكرية)، " سي آي أي" (وكالة المخابرات الأمريكية) ... جميعهم عجزوا عن اختراق محيطه الأمني؛ على عكس ما حققوه في أوساط أخرى عليا من المقاومة المسلحة، خاصة في لبنان وسوريا وحتى في إيران. والعامل المشترك بين الدول الثلاثة وعلاقتها بالقضية الفلسطينية هو مكانة حزب الله الكبيرة في دوائر القرار ووسائطه المرتبطة بالنظام الشيعي في إيران.

ونعتقد أن السنوار، رغم تحالفه القوي مع تلك الدوائر، لم يكن يتقاسم مع قادتها وناشطيها المختلفين كل المعلومات المتعلقة بأمنه وأمن العمليات العسكرية التي يديرها. وهذا يُستشف من الاغتيالات الكثيرة لقادة المقاومة التي تنفذها إسرائيل في لبنان، وفي سوريا... وحتى طهران طالتها أيادي الإجرام الصهيونية التي دفع أسماعيل هنية حياته ثمنا لبطشها وغدرها.

 وطبعا لم تسلم الفصائل الفلسطينية في غزة ولا في الضفة من تلك الأيادي. لكن، رغم أنه لا تتوفر لدينا إحصائيات أو أدلة قاطعة، فيبدو لنا أن الاختراقات المعادية كانت دون مستوى الخطر بكثير مما بلغته في مناطق أخرى، مثل لبنان أو سوريا. وقد نجد لهذا الفرق تفسيرا في وثائق تعود إلى السنوار نفسه، حول إعداده وإدارته لعملية "طوفان الأاقصى".

 لقد تم تسريب تلك الوثائق بعد وفاته. ووَردَ فيها أنه حافظ لنفسه بالمعلومات الحاسمة في إنجاح العملية، ولم يتقاسمها مع حزب الله ولا مع السلطات الإيرانية.  مما قلص من احتمال كشف المخابرات الإسرائيلية وحلفائها الأمريكيين لمشروعه. الأمر الذي يعني أن الدائرة القيادية لحماس في غزة، المشرفة على العملية، لم تكن حينها مخترقة بصورة فعالة من طرف العدو. ربما أن سهام المخابرات الإسرائيلية وحلفائها كانت منصبة أكثر حول حزب الله، متوقعةً أن الخطر الحقيقي سيأتي من جهته، غاضة الطرف نوعا ما عن "كتائب القسام".

هل لعب السنوار دورا في تضليل عدوه للفت نظره إلى وجهة غير التي يخفيها؟

لا نستبعد ذلك، سواء خلال تحضيره ل"طوفان الأقصى"، أو طيلة ما يزيد على سنة من مطاردته من طرف العدو وأجهزته الاستخباراتية التي لا تتورع من سبيل أو وسيلة، مهما كان نوعها، لبلوغ أهدافها. لقد تبين فعلا ضعف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في مناسبتين على الأقل: خلال تحضير طوفان الأقصى وعند موت قائد تلك العملية التاريخية. 

 ضعف استخباراتي مثير للانتباه، لا تعمل القوات الإسرائيلية على تجاوزه بمهنية وفقا لمعايير قانون الحرب الدولي.  بل على العكس، فإننا نراها تقفز عليه وعلى القانون الدولي متعمدةً انتهاج حرب الإبادة والانتقام الجماعي ضد سكان المنطقة وممتلكاتهم دون تمييز: في غزة، في الضفة، في لبنان... ولائحة المناطق الضحية لإجرامها الأعمى قد تطول مع الأسف.

وفي المقابل، "فالضحايا توديعهم حفلات"[i].. لن يركنوا ولن يسكتوا: سيلدون دون انقطاع "سنوارا"، و"سنورا" و"سنوارا"... وهكذا دواليك... ستتتجدد دوما مشاهد المقاومة العادلة والبطولية في وجه قوى الغزو الظالمة ومخابراتها المتعثرة إلى أن يأتي الله بالفتح.    

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

 

[i]  من قصيدة الشاعر الموريتاني احمدو ولد عبد القادر حول الثورة الفلسطينية، " ثورة الفتح"، والمعروفة أيضا بمطلعها  الشهير "في الجماهير تكمن المعجزات".

تصنيف: 

دخول المستخدم