الروائي عبد الفتاح امحمد الأمانه، أيحاور ذاته أم يفند جدلا ولَّى عهدُه وينذر بخطر جديد؟

تبدو لي شخصيا مبررة تماما حيرة القارئ بشأن مقاصد الكاتب الخفية، عندما يتساءل هذا الأخير: أين اليمين؟ أين اليسار؟

 هل الروائي عبد الفتاح امحمد الأمانه في صراع مع ذاته كما يبدو لأول وهلة حول اللغة التي يجب أن يستخدمها: أيبقى على الفرنسية (الحروف اللاتينية) كما تَعوَّد، أم يكتب بالعربية كما تراوده نفسه وغريزته وتربيته؟  ولأي من اللغتين الغلبة في الأخير؟ أم أن نسبية الأمور تحط من قيمة السؤال كما تشهد على ذلك الصلاة داخل المسجد الحرام، وتحيلنا إلى موضوع آخر مخالف تماما وأخطر؟ 

ومن منظور هذه الزاوية الأخيرة، هل اليسار واليمين واختفاؤهما رمز إلى تراجع عميق للخطاب السياسي العالمي المعتدل الذي ظل إلى عهد قريب يتمحور حول الصراع بين الاتجاهين المعروفين بهاتين الصفتين المتقابلتين: اليمين الذي يعبر عن التيارات المحافظة أو "الرأسمالية" واليسار عن الحركات "التقدمية"، أو الإصلاحية ذات البعد الاشتراكي.

ويدعم الطرح الأخير كون الفروق الفكرية والإيديولوجية بين التيارين تلاشت إلى حد كبير لدرجة أن عبارتي "اليمين" و"اليسار" اصبحتا بلا معنى غير اجترار ماض لم تعد له مسوغات فكرية  معتبرة.  ومع التراجع القوي لهذا الجدل الفكري ذي الصبغة المعتدلة، قد يُفسح المجال للتيارات السياسية المتطرفة، الدينية والعقائدية. فنراها تهلل مبتهجة: "الله أكبر.لقد .اختفى اليمين.. الله اكبر، مات الشمال."

وقد تولد لدي هذا التأويل- أو على  الأصح هذا الشعور- المنذر بالخطر وخيم على بالي، وذاكرتي تستعيد الصور والتقارير التلفزيونية المباشرة والمتلاحقة حول احتلال الكابتول من طرف أنصار الرئيس الامريكي دونالد ترومب يوم الأربعاء الماضي، باعتبار أن عمليتهم التمردية ترمز إلى نمو مخيف للفكر المتطرف العنيف وانتشاره عبر العالم تحت أنماط وذرائع متنوعة الأشكال والألوان: ، شعبوية، هندوسية، "سلفية"... إلخ.  

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي).

------------------------------------------

"أين اليمين؟ أين اليسار؟

‎وردتْ عليَ خاطرة؛ ولكن جرت بيني وإياها مفاوضات حول الحروف... فهي رجحت اللاتينية كعادة سابقاتها، وأنا ارتأيت و للمرة الأولى الحروف العربية. قلت لها:

"اعذريني..هذه المرة فقط، سأسطر بالعربية.."

كانت مفاوضات عسيرة يضيق المقام الآن عن سردها. في آخر الأمر قَبلَتْ بشرطي وقالت:

"سِرْ..."

‎فسرت أقدم  رجلا و أؤخر  أخرى... هكذا الأمر كان.

‎كان ذلك. فعلا كان. و كنت أنا كذلك... رِجلٌ نحو الأمام و رجل إلى الوراء. كانت الحكاية تدور بين الرجل اليمنى و الرجل اليسرى. كما لو أن الرجل تحاكي الأخرى.

تحاكيها حتى نفقد بعد اليمين و بعد اليسار. يمين فوق يسار يدغدغه، يهمس فى أذنه، يبتسم اليسار قليلا- لأنه يبتسم أحيانا، اليسار- قبل أن يتلاشى..يذوب و ينصهر فى اليمين...حتى يصيره ، يمين مثله و يسار مثله...

كمن كان طوال عمره يصلي نحو الشرق، قبلته أبدا، ثم يحج مرة، فإذا به يطل على الكعبة الشريفة من شمالها وإذا به يوجه وجهه شطر الجنوب... ثم يطوف و يصلي و الكعبة أمامه في كل مرة...

‎ثم يسلم الأخيرة و يقول:

"سبحان الله مات الشرق، مات الغرب، مات الشمال و مات الجنوب..."

‎فيكبر مرة أخيرة و يقول:

"الله أكبر.لقد .اختفى اليمين..الله أكبر، مات الشمال."

عبد الفتاح امحمد الأمانه"

تصنيف: 

دخول المستخدم