الخطاب الشمشوي الجديد : عصرنة للقالب القبلي.. مع غياب للمرأة

بعد تردد قبلت  حضور حفل عشاء نظمه ليلة البارحة السيد اسحاق ولد احمد ولد حمين على شرف مجموعة تاشمشه التي تنتمي إليها القبيلة التي هو منها. وكنت اعرف ـ كما تدل على ذلك  الكلمة البربرية "شمش" التي تعني العدد "5"ـ  أن حلفا يضم خمسة قبائل قد أقيم تحت هذا الاسم منذ قرون.

 وكنت أتوقع أن يكون الاجتماع مثل ما تعودته : تواجد قبلي يسوده نوع من الفوضى في التنظيم.. ويطبعه حنين صاخب إلى الماضي، بعضه صادر من شعراء كثيرا ما يمتهنون المدح أو الذم مقابل مكاسب مادية أو معنوية أوهما معا.. وبعضه  زغاريد وهتافات يدفعها حماس سطحي الله وحده يعلم ما هي فائدته...

غير أن ما شاهدته ابتعد كثيرا عن اللوحة المعهودة التي كنت اخشي رؤيتها، حيث لم تصدق توقعاتي إلا فيما يعني غياب العنصر النسوي.

  • تنظيم الحفل كان محكما وراقيا جدا حيث تم تقديم وتناول العشاء بهدوء قل نظيره في مثل هذا النوع من التظاهرات المعقودة تحت راية قبلية رغم أن الحاضرين كانوا يعدون بالمئات من الرجال. وكانت القاعة جميلة ومجهزة بكل المستلزمات الضرورية للمحاضرات و للأكل.. وكانت الوليمة طيبة كمَّا وكيفا وبدون بذخ. كما أن منصة رسمية أقيمت وتم تسييرها على الطريقة المتبعة في الندوات العصرية. وكذلك كان الربط راقيا حيث قام به شاب لم يتكلف في تقديمه بل اقتصرت جمله على ما هو ضروي وفقا للقول الشهير: خير الكلام ما قل ودل.  

  • تبين من نوع وعدد الحاضرين ومن مداخلة صاحب المبادرة اسحاق ولد حمين ومن أقوال جامعيين مشاركين وآخرين بارزين حضروا ـ يأتي العلامة حمدن ولد التاه على رأسهم ـ أن تظاهرة ليلة البارحة تأتي في إطار التذكير بحلف تاشمشه وما عرف عنه تاريخيا من ميزات حميدة، خاصة في مجالات بث العلم والتعمق فيه .. وفي البحث عن السلام واستتبابه في ربوع هذه البلاد.. و في مد يد التعاون إلى الآخرين وحسن المعاشرة.. وفي  المجال العمراني والتنمية الاقتصادية مثل حفر الآبار وغير ذلك.

  • دعا المتدخلون إلى الحفاظ على هذا التراث مع ملاءمته للعصر وما يتطلبه ذلك من تكييف في ظل دولة القانون والعولمة ومتطلباتهما التي تستدعي مواءمة القالب القبلي باستمرار كما أشار الأستاذ الباحث يحيا ولد البراء وغيره إلى ذلك. وطالبوا كلهم  بالابتعاد عن تسييس الحلف: أي عدم توظيفه في النعرات والخلافات المريبة. مع اعترافهم ضمنيا أو بشكل معلن لكل فرد بحقه في تبني الموقف الذي يراه صائبا.
  • اقتصر شعر المديح على مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقد صُدت الأبواب تماما أمام  غيره.. حيث مُنعت قراءة أي شعر من نوع آخر، فصيحا كان أم شعبيا.

من هذه الملاحظات تبين لي أن القوالب االقبلية التقليدية ـ رغم ما يقال عنها من تفشي و مساوئ ـ هي الآن في  طور جديد من النمو حيث تقوم شخصيات نيرة وأجيال جديدة من المثقفين والشباب بتحريكها من الداخل بغية عصرنتها. وهذا أمر موريتانيا في أمس الحاجة إليه. لكن ينبغي أن يدرك هؤلاء أن تغييب المرأة عن هذا الحراك ينجم عنه تباطؤ سرعته.

البخاري محمد مؤمل   

تصنيف: 

دخول المستخدم