الامن في الساحل: كيف سيرد المعنيون على منع دونالد ترومب مجلس الأمن من اتخاذ قرار شاف حول القوة المشتركة لمجموعة 5 ساحل وعلى محاولات "ترحيل الحرب على الإرهاب" ؟

سيجتمع بعد غد في باماكو رؤساء دول مجموعة 5 ساحل المكونة من بوركينا فاسو، وتشاد، و مالي، وموريتانيا، والنيجر، وسيحضر الرئيس الفرنسي هذا الاجتماع. ومن المتوقع أن يحتل ملف محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود القسط الأوفر من جدول الأعمال.

ومن بين الملفات المطروحة ترجمة قرارهم السابق بإنشاء قوة عسكرية مشتركة إلى أرض الواقع بعد رد مجلس الأمن الذي جاء دون المستوى المطلوب.  وكان زعماء مجموعة 5 ساحل قد حددوا قوام هذه القوة ب 5000 فردا وهم الآن يفكرون في رفع حجمها إلى 10000..  ووافقوا على المفهوم الاستراتيجي العملياتي المتعلق بها في اجتماعهم الماضي المنعقد في باماكو.

وقد تقدموا بطلب إلى الهيئات الدولية وإلى شركائهم لدعم هذا القرار. فباركه  الإتحاد الإفريقي و الإتحاد الأوروبي وتقبلته فرنسا بتحمس كبير وأخذت على نفسها مهمة تقديم اقتراح مشروع بشأنه إلى مجلس الأمن. غير أنها لقيت معارضة شديدة  من طرف إدارة دونالد ترومب ومن بريطانيا الذين يرفضان أي نفقات إضافية أممية.. بل إن أمريكا تعمل جاهدة منذ أن جاء ترومب إلى البيت الأبيض من أجل تقليص نفقات الأمم المتحدة في مجالات الأمن وحفظ السلام والمساعدات  الدولية.

وبدلا من قرار يصدره مجلس الأمن يقضي بإنشاء قوة مشتركة لمجموعة 5 ساحل، فإن الولايات المتحدة اقترحت إصدار بيان عام يقي المجلس من تحمل تمويل القوة المشتركة.  وهذا ما وقع ضمنيا حيث أن القرار الذي تم اتخاذه في 21 من الشهر الجاري يرحب بإنشاء القوة دون أن يفوض لها مهمة مما يعفيه من تمويلها؛ بل إن القرار ينص على أن "إمداد القوة المشتركة لمجموعة 5 بالوسائل اللازمة يقع على عاتق دول مجموعة 5 ". واكتفى القرار  بالدعوة إلى عقد مؤتمر للممولين وبالترحيب بدعم مالي متمثل في 50 مليون يورو  أقر الإتحاد الاوروبي تقديمها لدعم القوة المشتركة لمجموعة 5.

ويشكل هذا المبلغ مساهمة مهمة لكنه أقل بكثير من التمويل المطلوب الذي يتراوح حسب التقديرات ما بين 400 إلى 450 مليون يورو.

فعلى زعماء مجموعة 5 وحليفتهم فرنسا البحث عن مصادر تمويل إضافية لسد النقص الكبير المتبقي.

وننبه في هذا الميدان إلى أن النفقات الحالية على قوة بركان الفرنسية البالغ تعدادها 4000 جندي والمنتشرة في مالي وبعض المناطق في الساحل لمحاربة الإرهاب تبلغ أكثر من 500 مليون يورو سنويا. وفضلا عن هذه الكلفة المالية المرتفعة، تخاف الحكومة الفرنسية من جهة أخرى من أن تطول كثيرا مدة تدخلها في مالي الذي هو الآن في سنته الخامسة. مما يجعلها تخشى من التورط في مأزق عسكري وسياسي يصعب الخروج منه.

وهذا التخوف هو ما يدفع بالرئيس الجديد إيمانويل ماكرون إلى الدعم النشط لإنشاء القوة المشتركة لمجموعة 5 سعيا منه إلى أن تحل هذه القوة محل القوات الفرنسية في مالي وفي الساحل في أمد غير بعيد. وهذا الرجاء قد يتماشى مع رؤية أنداده الأفارقة الذين يحلمون بأن تتوفر لديهم وسائل دفاعية ذاتية كفيلة بتحقيق الأمن في بلادهم.

وبناء على هذا التلاقي للمصالح  الاستراتيجية لفرنسا مع متطلبات فرقائها في دول الساحل، وبناء  على  التقديرات المالية التي سبق ذكرها ، فإن البعض يرى أنه يكفي لفرنسا لتفادي المأزق المالي والخروج منه بشكل مشرف أو على الاقل بأدنى كلفة ممكنة، أن تخصص للقوة المشتركة لمجموعة 5 ما تنفقه لمدة سنة واحدة على قوتها بركان. وهذا الطرح يبدو معقولا في ظاهره إن نحن اقتصرنا على مقارنة الأرقام.

غير أن الأمر ليس بهذه الدرجة من البساطة... فالمشاكل الامنية وخاصة الدولية منها تتعلق بقضايا مركبة، سياسية وجيوستراتيجية، لا يمكن حلها بعملية ميكانيكية مالية تتمثل في تحويل مال من مالك إلى آخر مهما كان حجم التحويلات.

صحيح أن المعطيات توحي بتبلور رؤية استراتيجية جديدة لمحاربة الإرهاب في الساحل وفي غيره..من أهم ملامحها تعاون ساحلي بيني متزايد مدعوم من طرف الفرقاء من الدول الغربية والصناعية..

وهو أمر وارد تماما كرد على التطورات الجديدة للتهديد الإرهابي، حيث يلاحظ انتعاش متزايد للجماعات الجهادية في مالي وفي بلدان مجاورة له ينذر بأن الخطر الإرهابي في المنطقة أصبح اقوي مما كان عليه في السنوات القليلة الأخيرة . ومن المخيف أن تتقوى هذه الجماعات أكثر عن طريق مقاتلين ومناصرين نازحين ومتسربين إليها من مناطق أخرى يتعرضون فيها لضربات موجعة، مثل : ليبيا، العراق، سوريا، نيجيريا، الفيليبين...

ومنطقة الساحل هي الوجهة المحتملة الأولى لهؤلاء الجهاديين علما أن الأنظمة في أوروبا وفي أمريكا وفي الغرب عموما تعمل ما بوسعها لتسد أبواب ترابها أمامهم.. ولها وسائل كفيلة نسبيا ببلوغ هذا الهدف لحد كبير. بينما تمتاز الحدود في دول الساحل بمساميتها وبهشاشة وسائل السيطرة عليها.

أمام هذا الخطر وفي هذا الوضع الجيوستراتجي الجديد، يلزم على قادة مجموعة 5 ساحل تضافر الجهود وتجميع الوسائل بشكل يضمن أحسن استثمار مشترك لها؛  في  حين  ينبغي عليهم العمل بمرونة كبيرة من اجل منع  ترحيل (délocalisation) محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود إلى أوطانهم علما أن إستراتيجية الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا تقوم على مبادئ من أهمها محاربة الإرهاب بعيدا عن حدودها.           

البخاري محمد مؤمل

تصنيف: 

دخول المستخدم