لوكان الخبر أذيع في الشهر الماضي لكنا قد اعتبرناه إحدى "كذبات ابريل" التي يراد منها التشويق عبر مغالطة المتلقي للنبئ بواسطة رسالة كاذبة من الصعب تصديقها. غير أن الأمر صادر عن السيد راشد الغنوشي مؤسس ورئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية. وهو مجد فيما يقوله لما صرح بأن الحركة سوف "تخرج من الإسلام السياسي". مضيفا "نحن مسلمون ديمقراطيون ولا نعرّف أنفسنا بأننا (جزء من) الإسلام السياسي".
ولا يخفى من تصريحاته أن الرجل يعمل على تلميع صورة حركته في الأوساط اليمقراطية ذات التوجه العلماني، المحلية منها والدولية، بتخليه عن تبني الإسلام كواجهة لحزب النهضة. فيوضح الغنوشي مبتغاه في هذا الصدد:
"نريد أن يكون النشاط الديني مستقلا تماما عن النشاط السياسي. هذا أمر جيد للسياسيين لأنهم لن يكونوا مستقبلا متهمين بتوظيف الدين لغايات سياسية. وهو جيد أيضا للدين حتى لا يكون رهين السياسة وموظفا من قبل السياسيين".
و يرى الباحث التونسي، حمزة المؤدب.: «إنّ فصل الدعوي جرى عمليا منذ مدة لسبب مهم آخر، يتجاوز النهضة ليشمل كل الحركات الإخوانية. فالواقع أن هذه الحركات لم تعد تنتج خطاباً دينيا يلقى اهتماما لدى الشباب، ولم تعد تحتكر أيضا المجال الديني، إذ دخلت في منافسة مع التيارات السلفية التي نجحت في استقطاب الشباب وفي بناء خطاب متناسق مع تطلعات الطبقات الشعبية والصاعدة. وصل الأمر في مصر إلى حد تكلم فيه الراحل، حسام تمام، عن تسلّف الإخوان، بمعنى أن القيادة إخوانية، لكنّ القواعد صارت تميل أكثر فأكثر إلى الخطاب السلفي. وفي حالة النهضة، فإنّ الحركة غائبة عن النشاط الدعوي، فهي لا تنتج شيئا في هذا الخصوص: لا خطابا دينيا ولا كتابات (ماعدا كتابات الغنوشي التي تعد نخبوية وتستهدف جمهورا مثقفا ومطلعا، لا شبابا يبحث عن تكوين ديني)، ولا أنشطة دينية شعبية خاصة، وأن الدستور أغلق أمامها باب المساجد».
غير أن حزب النهضة لا يتخلى كليا عن الإسلام السياسي الذي يبقى هو الخلفية الفلسفية لرؤيته السياسته ـ بل إنه يتكيف مع الأوضاع ومتطلبات الظرفية مقدما بعض التنازلات. لأن ما ما تمرّ به المنطقة العربية في الظرف الراهن في ظل الصعود المطرد لحركات التطرف التي تنشط تحت ذريعة الإسلام "يدفع ـ حسب الأكاديمي التونسي ـ بالحركات الإسلامية نحو التغيير والتأقلم، وربما نحو تكريس ما يمكن تسميته تجاوزاً: مرحلة الأحزاب الإسلامية اللائكية (العلمانية)".
وقد يكون لهذا التوجه أثر على الحركات الإخوانية في المنطقة كلها بما في ذلك حزب تواصل الموريتني الذي ارسل مبعوثين منه إلى تونس للمشاركة في مؤتمر حزب النهضة؛ و وفده رفيع المستوى حيث يضم : رئيس الحزب محمد جميل ولد منصور، إلى جانب النائب البرلمانى محمد محمود ولد سييدى ومحمد ولد عبد الدايم وفدرالى الحزب فى ولاية تيرس زمور المهندس محمد ولد بوط.
يا ترى هل سيتحول هؤلاء بدورهم إلى علمانيين من نوع جديد على ضوء ما سيتعلمونه من تجربة "النهضة" التونسية؟
تصنيف: