إلى الزملاء الصحفيين: لنتأمل قليلا ونراجع ذواتنا. / عبد الرحمان سيد محمد

إلى الزملاء الصحفيين: لنتأمل قليلا ونراجع ذواتنا

 لا أفضل أن انتقد واقع الصحافة في موريتانيا لأنني لست مؤهلا لذلك، لكن سأحاول أن اكتب ملاحظات عن هذه المهنة التي كتب الله لي اختيارها كتخصص في سنة 2003 في المغرب ومن بعد كمهنة ممارسة منذ 2007، لذلك سأتطفل بهذه الملاحظات.
زملائي من خلال الممارسة الميدانية في الحقل الإعلامي في موريتانيا من 2007 إلى 2012 لاحظت أن هناك كادرا صحفيا محترفا ويؤمن بهذه المهنة ولديه كامل الاستعداد للرفع من مستواها وتغيير النمط السائد الذي تراكم لدى النخبة ولدى العامة عن مهنة المتاعب.. عن السلطة الرابعة.. عن صاحبة الجلالة.. بعيدا عن المنطق السائد "البشمركة، التيفاي، اللحلاحة، الطلابة، ....الخ.

 لكن للأسف هذه الأصوات تواجه تحديات كبيرة جدا بفعل نظرة الكثير من مَن يمارسون هذه المهنة والنافذين فيها، وذلك ما تجلى من خلال اختيار المؤسسات الإعلامية الجديدة لطواقمها بصفة طبعتها العشوائية والارتجالية دون تحديد معايير مهنية ومواصفات معينة، مما ساعد في تردي واقع الصحافة في البلاد، فبدل أن يحس المتلقي بأن الانفتاح الإعلامي وتحرير الفضاء السمعي البصري فتح آفاقا جديدة من المهنية والتحرر من خلال التعاطي مع القضايا بحرفية تامة وبأسلوب جديد غير معهود، أصبح حديث الناس الشاغل هو فوضوية الإعلام وضعف المستوى المهني للإعلاميين، وصارت المهنة حاليا توصف بأوصاف يندى لها الجبين. زملائي هذا وطنكم، هذه بلادكم هذا شعبكم، وهذه مهنتكم، تعرفون خطورتها إن هي انحرفت عن مسارها الذي يعتمد على قدسية الخبر وحرية التعليق، على التعاطي مع الأجناس الصحفية بعيدا عن العاطفة واستدرار عطف الآخر، زملائي إن أخطر ما يواجه هذه المهنة ليست الأخطاء اللغوية كما يروج البعض، فالأخطاء يمكن التغلب عليها وغالبا ما تكون لوسائل الإعلام المهنية مدقق لغوي، فالصحفي قد لا يكون متقنا لعلوم النحو لكن عليه أن يكون عارفا لأساليب التحرير: يميز بين الخبر والتعليق، بين التحقيق والاستطلاع،....الخ.

ويجب عليه أن لا يخجل من أن يقدم نصه قبل القراءة على مدقق لغوي، فهذه ليست هي العقبة، إن الخطر الذي يواجه "صاحبة الجلالة" في البلاد يتمثل في الدخلاء ـ وما أكثرهم ـ  الذين اختطفوها وأصبحت تحت رحمتهم يوجهونها يتحدثون باسمها، يغرسون صورة في غاية السوء عنها، وهم بذلك يجعلونها بلا قيمة وبلا سلطة وبلا جلالة.

زملائي إن مهنة الصحافة من أنبل المهن إذا وجدت من يؤمن بها ومن يضحي في سبيلها، ينقل الخبر بتجرد.. يسمح للآخر بإبداء رأيه بحرية.. يحترم مشاعر الجمهور.. ولا يلفق الأخبار، يتحرى صدقية ما ينشر، يتأكد من المصادر، يبحث عن وجهة نظر الرأي الآخر، يبتعد عن الأخبار التي تؤدي إلى تأجيج الكراهية والعنصرية البغيضة، يحترم مسلكيات وأخلاقيات المهنة، يحتكم لضميره، ويراعي ميثاق شرف المهنة.
 زملائي مازال أمامنا أمل في أن نرى يوما واقع صحافتنا يتغير إلى الأحسن فمن اللازم أن نحاول جميعا تغيير هذا الواقع ليس بمحاولة الهجوم أو القضاء على هؤلاء الذين شوهوا سمعة السلطة الرابعة في البلاد، بل بالحوار معهم ومحاولة إقناعهم بتغيير أساليبهم، وإقناع هذه المؤسسات التي يعملون بها من أجل تكوين طواقمها، وبتغيير سياساتها التحريرية، لتتماشى مع الذوق السليم، فعندما تكون الإرادة قوية فسيتغير واقع الإعلام بحول الله وقوته.. وسيتحول هؤلاء إلى إعلاميين مهنيين.

 فيجب أن لا نكتفي بنقدهم.. بل نعمل على توجيههم وإنارة الطريق أمامهم، وذلك عن طريق الدورات التكوينية في بعض المعاهد والمدارس المتخصصة، لكون الإعلام مهنة وعلم، فقط علينا أن نغير العقلية ونتسلح بالإرادة لنغير نظرة المجتمع عنا ونودع إلى الأبد مصطلحات مثل " اللحلاحة والبشمركة، والصفاقة..." الخ.

تصنيف: 

دخول المستخدم