أمواج السِّيرْك ...*

أشعرُ أحيانًا أنَّني في بلدي هذا، الجميل (بالتَّمني)، أعيشُ في سيركٍ كبير من ظلالِ الخَيال، في مكان خَلِي، خارج الزَّمان. تتكاثر شُخوص السيرك اطرادًا، يتنوع مُهرِّجوه، يجتاحون الحَلبة في غير سكينة، يظهرون في جَلبة، وفي خطو مُسرع يختفون.. كل ذلك معقول ومقبول في سيركٍ شَعبيٍّ جدا،.. لكن المزعج تنطُّط صِغار القردة على الرّكح قبل ترويضهم، تتبدى عوراتهم، تتردد أصواتهم، تتجدد تفاهاتهم.. مُزعج كذلك حين يَختلط صريخهم بسُعال صغار الببغاوات أثناء البَهْلوانيات.. في السّيرك تكون أمزجة القردة والببغاوات متقاربة المَساحات، وجوههم مُتماثلة السّحنات، أدمغتهم رُفات، لا تتقيّد بنبل ألعاب الفروسية، ولا تصلح لألعاب التَّوازن الذَّكية، فتتّجه للقفز العشوائي بين الحبال. الجُمهور هو الآخر طرف أصيل في السّيرك، .. يأتي من كل أوْبٍ، جُمهور خَبَل يَدنو بِخَجَل من الحَلَبَة، شارد البال يَخاف طيفه، يَخاف أن يُدان متلبِّسا باختلاس الفُرجة لحالة من التفاهة بالغة التفاهة،.. مِرارًا، يَجعلني جُمهور هذا السّيرك أشفق على الهَوان من حوله وقد هانَ، ... هُناك، ..على ناصية السّيرك، يقف كمْ مِنْ عقْلٍ سَاهمٍ كَسيح، يرْسف في قيده، ماضٍ يقضي نحبه ليستريح.. تحوَّل الوعي في نعش يقظته من بريق إلى آثار حَريق.. فاتسع باعه في المَلل، ألِفَ الشَّلل.. يستثقل النطق، لا يتكلم!،.. لا يُفصح عن ألم!.. إنه يَصُون كبرياء العقل، فكيف يُسمح لإباء الكبرياء بالانحناء تحية لموال ببغاء أو إكبارا لعرض قِردٍ... في السّيرك. كلّما حاولتُ ضَبطَ صَوتي فوق نسخة من مَوجِ الهَرج، أجدني أقبضُ على سَرابِ عراكٍ قد ضاع صَداه، قد ذابَ معناه.. فيُعاودني الحنين إلى الصَّمت.. فأستزيد. مودَّتي.

--------------------------------

* من صفحة الدهماء الريم.

تصنيف: 

دخول المستخدم