إنه الفقيه والأستاذ محمد بن محمد فاضل بن محمد الأمين بن الحاج بن محمد مولود بن حبيب الله بن بارك الله فيه بن أحمد بزيد، والدته هي سكينة بنت عبد العزيز بن الشيخ محمد المامي. ولد سنة 1932م بإقليم أوسرد، في وسط علمي و أدبي عريق بالمنطقة ، حفظ القرآن الكريم وهو دون سن العاشرة، كما درس مبادئ اللغة العربية على يد والده محمد فاضل، فنهل من علوم اللغة وحفظ المعلقات وأشعار أصحابها وغيرهم مما مكنه من تحصيل رصيد لغوي مهم صنفه في طليعة طلبة المحاظر الصحراوية بمنطقة وادي الذهب من حيث المعرفة باللغة والنحو والصرف والإعراب.
انتقل الأستاذ محمد مع نهاية الأربعينيات وخلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين إلى محظرة العلامة الشيخ محمد المصطفى بن تكرور اليعقوبي والتي كانت حينها من أبرز المحاظر الصحراوية بالمنطقة، فدرس الفقه المالكي أصولا وفروعا، مبتدئا بكتاب الأخضري فمتن ابن عاشر، ثم مختصر خليل والمدونة، ثم رسالة ابن أبي زيد، وبعد تضلعه في علوم الفقه المالكي قرر بإيعاز من شيخه دراسة علوم القرآن من رسم وتجويد، فدرس منظومة ابن بري والشاطبية وغيرها، كا نهل من ثقافة الصحراء المحلية فحفظ عدة دواوين شعرية حسانية لأدباء وشعراء من مجتمع البيظان قديما وحديثا.
وفي سنة 1960م اجتاز امتحان أساتذة اللغة العربية والدين الإسلامي بالمدارس الإسبانية بمدينة الداخلة، ففاز بالرتبة الأولى ليتم اعتماده أستاذا للمادتين بسلك التعليم الإسباني، وذلك بتاريخ 4 فبراير 1961م، وعين بمدينة الداخلة حيث تابع بها التدريس منذ ذلك الحين حتى الانسحاب الاسباني سنة 1975م.
تخرجت على يده أجيال من أبناء المنطقة وغيرهم وأسهم بشكل كبير في حفظ وصيانة وجمع نفائس المخطوطات والوثائق التاريخية الصحراوية خاصة مؤلفات علماء المنطقة أمثال الشيخ محمد المامي، وامحمد ابن الطلبة، ومحمد عبد الله بن الفيلالي وغيرهم من أعلام الصحراء في مختلف الحقول العلمية والفكرية المتنوعة. وقد ترك بعد وفاته ما يناهز 300 مخطوط ووثيقة تاريخية تولى ابنه محمد فاضل مهمة جمعها والحفاظ عليها، وتمكن من تأسيس «جمعية جلوى» بالداخلة لصيانة وحفظ المخطوطات والوثائق التاريخية باعتبارها تمثل الذاكرة العلمية والفكرية للمنطقة.
ومن الناحية العلمية أيضا، فقد أسهم رحمه الله في تأسيس زاوية علم الشيخ محمد المامي وإعادة تفعيل دورها في الصحراء، وكذا في موريتانيا، وذلك لكونه الأقرب للشيخ حيث ترعرع في وسطه العائلي ونهل من علومه من قريب فكان معترفا له بالخبرة المتميزة في أدب جده وعلومه. .
ومن اهم الشهادات في حق المترجم هذا التعليق النفيس والشهادة الفريدة من عميد زاوية الشيخ محمد المامي الشيخ الجليل ياب بن محمادي، كتبها سنة 1984 تعقيبا على بحث أعده الأستاذ المرحوم محمد بن محمد فاضل حول علوم الشيخ محمد المامي.
جاء في آخر البحث :
(كتبه العبد الجاهل المفتقر لرحمة ربه، خادم علوم الشيخ محمد المامي رحمه الله محمد بن محمد فاضل بن محمد الأمين بن الحاج. كان الله له وللمومنين وليا ونصيرا.
بتاريخ 19شعبان 1404هجرية /وفق 20مايو 1984 ميلادية*))
وكتب الشيخ ياب بن محمادي معلقا :
(( انتهى ماكتبه المطلع التواق النبيل ذو الهمة العالية والسيرة الحسنة الذي إنما يعنيه الشاعر بقوله :
وإن خيض في الآداب كان حديثه
ألذ على الاكباد من جرع الخمر
وكأنما غذي في صباه بقول الآخر:
اذا انت رافقت الرجال فكن فتى كأنك مملوك لكل رفيق .
ويذكرنا ماكتبه عن العلامة الجامع للحقيقة والشريعة ، دلفين زواخر العلوم بل هو الزواخر والدلفين، الشيح محمد المامي بقول أبي تمام الطائي :
وحديثها السحر الحلال لو انه لم يجن قتل المومن المتحرز
إن طال لم يملل وان هي اوجزت ود المحدث انها لم توجز .
شرك العقول ونزهة مامثلها للمطمئن وعقلة المستوفز
فجزاه الله خيرا عن هذا الجمع السالم من التكسير ،فماهو الا حجر إكسير .
ولا غرابة فصاحب هذا الجمع محمد بن محمد فاضل جامع هذه الشذرات الذهبية لم يكن كغيره من المتطلعين للجمع عن الشيخ ففي المثل ( ياباري القوس... ) فهو الجذيل المحكك والعذيق المرجب فمحمد ابن الشيخ فأمه سكينة بنت عبد العزيز ابن الشيخ محمد المامي وام ابيه محمد فاضل فاطمة بنت الشيخ محمد المامي ، ولقد كان محمد فاضلا عالما ورعا مؤرخا، ولقد تربى محمد على أيدي هذه الأسرة الكريمة السنية وهذه الأسرة بيت من حي الشيخ محمد المامي إلى الآن، فلقد أدرك من الأكابر وعاشرهم مثل حمدي ابن الشيخ محمد المامي ،وفتى ابن سيد امين، من العلماء المهرة فلنا ان نقول:
محمد ابن محمد فاضل تربى في جامعة علم الشيخ محمد المامي ورجالها البررة، ولا يجارى في الكتابة عن والده فليس لنا نحن أن ندرك شأوه ولا أن نشق غباره بل هو المرجع لنا ولغيرنا فجزاه الله خيرا إذ أنفق علينا من جيبه .
وكتبه ياب ابن محمادي)).
''المصدر : مكتبة الأستاذ المرحوم محمد بن محمد فاضل بالداخلة''
توفي رحمه الله تعالى سنة 2002م، و ووري الثرى بمدينة الداخلة.
ومما يحسن أن نجعله مسك ختامنا في الحديث عنه ، هذه القطعة الشعرية التي رثاه بها الفاضل الكريم محمد عبد الله بن محمد سالم بن محمود بن تكرور:
يا من نعيت لنا بالأمس فاضلنا
والدمع منك على الخدين في حرق
نعيت شيخا أبي النفس ذا ثقة
سخي كف كريم الخلق والخلق
يالهف نفسي فمن للحاج يجمع ما
قد كان يحفظه فردا وفي حلق
ومن للشيخ محمد المام بعدك في
شعر ونثر وفي سر وفي طرق
يا بارك الله في الابنا وألهمهم
صبرا جـميلا بلا أين ولا أرق
الله يرحمه ما ـ كان ـ أعظمه
حلما وأعبده في ليله الغسق
يا رب صب على قبر تضمنه
رحمى تكون بلا رعد ولا برق
صلى وسلم ذو العرش المجيد على
نبينا خير من في الأرض والأفق.
بقلم: الباحث احمد بزيد بن محمد بن محمد فاضل .
** مصادر الترجمة :
معلمة المغرب الجزء 26 . مكتبة محمد بن محمد فاضل بالداخلة.
تصنيف: