أربع سنين من عهد التمكين / مهلة أحمد طالبنا

كانت رحلة دولية عادية من مطار نواكشوط تستعد للإقلاع وفجأة عادت إلى مدرج الصعود إذ أعلن القائد أن الطائرة مجبرة على انتظار مسؤول سام ولا يمكن الإقلاع دونه. 

تساءل الركاب عن الذي أرغم الطائرة على العودة من أجله ؟؟!! فإذا به الجنرال غزواني، وحده لا وفدًا مرافقا ولا حارسا شخصيًا. وصلنا إلى وجهتنا فجرًا، فإذا به يقترب منا نحن الموريتانيين عند حزام الأمتعة، بدأَ بالسلام علينا بأدب ووقار، وأخبرنا بأسلوب بسيط يحوي اعتذارا ضمنيًا أن شركة الطيران لم تقل الحقيقة فهي من عجل توقيت الرحلة دون إخطار المسافرين وأنه وصل إلى المطار في الوقت المحدد وكأنه يريد التذكير أنه ليس من أولئك المسؤولين المتغطرسين والمعروفين باستغلال النفوذ.

تذكرت القصة في يوم إعلان المترشح السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لخوض غمار الانتخابات الرئاسية… في مارس 2019، فقلت في نفسي آنذاك، هذا رجل مبادئ وسيكون رئيس خير وبركة. وكلنا نعلم أن البلد في أمس الحاجة إلى قائد المرحلة، رجل فيه علامات القيادة من كياسة وتأن وفطنة وأخلاق، تربى على قيمنا ومبادئنا وخدم وطنه بمسؤولية وتفان ينتشلنا من الوحل. فعلا، عُرف الرجل بالصدق إذا تحدث واحترام الوعد وأداء الأمانة إذا التزم، وكلما خاطب رئيس الجمهورية مواطنيه بعد ذلك أحسست الصدق في كلامه وقديما قيل: "أفضل الخطباء أصدقهم".

وإذا كان لا يحكم العرب من لا يتقن كلامهم فلن يحكم الجمهورية الاسلامية الموريتانية، بلاد شنقيط، من لا يتميز بقيم أهلها ومبادئهم، ورئيس الجمهورية مثال لحسن الخلق والصرامة والجد في العمل بصمت. سمته "لكسه تحت اللين" كما يقول المثل الحساني.

وكما تعلمون، فإن خطابات رئيس الجمهورية مفعمة بالحكم والدروس والعبر، إذ لم يعرف عن الرجل تناقض في الأقوال، كما أن أفعاله تعكس مبادئ القائد المسلم… فخطابات شنقيط ووادان وتيشيت وجوول ولاته وقريبا كلها صادقة ولها وقع كبير في القلوب لأنها تتضمن معاني ومفاهيم نحتاج تكرارها والاستماع إليها لإنارة طريقنا.

تسلم الرجل السلطة والبلد منهك اقتصاديًا، فاقد للمصداقية لدى المستثمرين الأجانب؛ مغلوب شعبه على أمره، عانى كثيرا من تراكمات أنظمة تعاقبت على البلد ولعله من خلال المجموعات التي يقال إنها تتقن فن الالتفاف على القيادات في معظم دول العالم، وأنها تقدر بالألفي شخص، منهم الآمر الناهي ويتقاسمون ثروات الدول ولا مصلحة لهم في التغيير والإصلاح.
فأي إصلاح نريد ؟ ومن أين له أن يبدأ؟

بالنسبة لي سأهتم فقط بالإصلاحات المؤسساتية وتأثيرها على المجالات الاجتماعية والاقتصادية وسأترك السياسة للسياسيين.

لم يلتزم المترشح آنذاك بالتغيير من خلال قلب الطاولة، كما طالب بذلك ضحايا الإقصاء والتهميش في الفترات السابقة. وكلنا نعلم أن بلدنا يقع في محيط هش لجأ كثير من مواطني الدول المجاورة إليه بحثا عن الأمان ولقمة العيش؛ وقد يكون نفس العدد من شباب الطبقات المتوسطة الذين هاجروا أو في طريقهم إلى الهجرة.

وكلنا نعلم ما حصل للدول التي كانت شعوبها متعطشة إلى التغيير وأصرت على قطف ثمار الثورات بسرعة. وكنت ولازلت ممن يريد الإصلاح على مراحل وبطريقة متأنية وتدريجية، رغم تعطشي إلى الإصلاح، لتفادي ما حصل في البلدان المشار إليها آنفًا.

لذا رجوت أن ينجح فخامته ويبدأ بالإصلاحات المؤسساتية في جميع المجالات ولو كانت بنسب متواضعة في المأمورية الأولى!! على أن تتواصل بعد ذلك، وأنا على يقين بأن فخامة رئيس الجمهورية عاكف على تنفيذ تعهداته بغرض ترسيخ الأمن والاستقرار والعيش المشترك من خلال خطط الإصلاحات المؤسساتية وأثرها الايجابي في المجالات الاجتماعية والاقتصادية عبر حكامة عمومية متأنية وعقلانية وشفافة.

اليوم تحل الذكرى الرابعة لتسلمه مقاليد الحكم، وإنه لحدث هام، يأتي والمواطنون يتفهمون مضامين سياسته وبدأوا استعادة ثقتهم في مؤسسات الدولة، وباتوا بالفعل يلمسون برامج بناءة رغم ما تسبب فيه وباء الكورونا والاضطرابات الدولية المتتالية من إرباك وتأخير، ورغم استعجال المواطنين على قطف ثمار تلك المشاريع الإصلاحية. لكن يصعب الإصلاح في مجتمع لم يدرك تمامًا ضرورة العمل على تغيير ما بأنفس أفراده ونبذ الكسل والاتكالية وسوء استغلال الإعلام الجديد من خلال البحث عن الإثارة في مواضيع تافهة، وقد تزيد الأوضاع تعقيدا.

بعد أربع سنوات على درب الاصلاح والتمكين، لا شك أن البلاد تسلك مسارا أكثر أمنًا واستقرارا وسكينة، بفضل الله وبفضل حنكة وإرادة فخامة رئيس الجمهورية وعمل حكومته وإسهام المواطنين اليقظين.

أما على المستويات الإصلاحية الاخرى، قد أطلق فخامة رئيس الجمهورية أكبر ورشة عمل على الإطلاق والتي يعتمد عليها كل المجالات الأخرى، ألا وهي ورشة إصلاح الجهاز القضائي الذي لن يتأتى أي إصلاح اجتماعي أو اقتصادي بدون نهوضه ؛ وذلك نظرا إلى أن الدول تبنى وتتقدم على أساس العدل والمساواة. وما بين أولوية استتباب الأمن وإصلاح القضاء، وهما الركيزتان الأساسيتان لبناء أي دولة، فإن الحكومة تعمل جادة على مؤازرة الفئات الهشة من خلال البرامج الاجتماعية والتعليمية التي قد لا تبدو للجميع فمن شيم صاحب الفخامة أن يعمل بصمت؛ علما أن برامج الإصلاحات المؤسساتية تعتبر عملا لا يدركه المواطن إلا على المدى الطويل لأن نفعها عام، عكس المشغوفين بتشييد البنى التحتية التي يقال إن الفئات الهشة لا تنتفع منها عادة. وميزة فخامة رئيس الجمهورية هي التوفيق بين المسارين. التزم بترقية حقوق الإنسان وحماية المواطن الضعيف تحديدًا، لكنه لن ينتزع من الغني ليعطي للفقير. إنه رجل الإجماع الوطني يريد إشراك الجميع أقوياء وضعفاء من أجل تحقيق تطلعات الشعب الموريتاني.

وإذا كان هناك شعور سائد بين المواطنين بتحسن الأوضاع الاجتماعية وبكل ما قيم به حتى الآن من إنصاف وتقدير للمواطن، فإن المرأة الموريتانية من جهتها، وجدت في عهد التمكين الذي اعتمده فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، كل الاحترام والاهتمام بضرورة تمكين المرأة والدفاع عن حقوقها. فتم إنشاء المرصد الوطني لحقوق المرأة والفتاة لهذا الغرض؛ وهي هيئة استشارية مستقلة مهمتها مساعدة الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني في حماية وترقية حقوق النساء والفتيات.

كما وجه بإنصاف المرأة وتمكينها في جميع المجالات وهي أكثر المستفيدين من برامج وزارة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة ومؤسسة التآزر وغيرهما.

إن مستقبل موريتانيا مرهون باحترام كرامة المرأة وحمايتها من جميع أشكال العنف وتمكينها اجتماعيًا واقتصاديا وسياسيا، ولن يقبل المواطنون أن تكون موريتانيا في مؤخرة الركب الأممي حيث يتم ترتيب الدول وفقا للمؤشرات العالمية للبلدان التي برهنت على نجاعة برامجها التنموية لفائدة تمكين المرأة وإشراكها في الشأن العام من أجل الوصول إلى المناصفة مع حلول 2030.
فلا يراودني أدنى شك، أن موريتانيا سلكت الطريق المناسب للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة، شريطة أن يساعد المواطن نظيره وتثق المرأة الموريتانية بقدراتها وتتضامن النساء في ما بينهن وتعمل كل امرأة على تحقيق تطلعاتها من خلال التعليم والتكوين ودعم مشاريع التمكين الاقتصادي، والحرص كل الحرص على تنفيذ القوانين، وتعديل ما قد يعيق حماية حقوق الإنسان في إطار بسط العدالة والمساواة ومناهضة جميع أشكال التمييز بغض النظر عن العرق واللون والجنس.

كما أن البلاد لن تتقدم بالخطى السريعة المرجوة إلا إذا أدرك المواطن أنه جزء من الحل وليس جزءا من المشكلة فقط. وفي هذا المنحى يجب على المواطن أن يدعم سياسات فخامة رئيس الجمهورية من خلال القيام بدوره في التقييم والرقابة على عمل الإدارة العمومية.

وبهذه المناسبة الطيبة، فإنني أتقدم باسمي الشخصي وباسم المجلس التوجيهي للمرصد الوطني لحقوق المرأة والفتاة ، بأسمى آيات الشكر والامتنان لفخامته كما أثمن عاليا الرعاية السامية لفخامته من أجل حماية كرامة المواطن الموريتاني، حيث لمسنا منه الاهتمام الكبير بقضايا حقوق الإنسان وبحماية وترقية حقوق النساء والفتيات.

وجاء إنشاء المرصد دليلا على حرص السيد الرئيس الشديد على تحسين ظروف الأسرة الموريتانية، لذلك تم التوجيه بتعزيز قدرات واستقلالية هذه الهيئة الوليدة.

وبناء على كل ما سبق فإني أرجو من جميع النساء العمل على استغلال الفرصة سبيلًا إلى الإسهام في مسار التمكين، لتأخذ بذلك قضايا النساء والفتيات زخما غير مسبوق.

فهنيئا لشعبنا بهذا المسار البناء، وأدام الله على بلدنا نعمة الأمن والأمان وإلى مزيد من الرقي والازدهار.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

مهلة أحمد طالبنا، خبيرة في الحكامة العمومية، ورئيسة المرصد الوطني لحقوق المرأة والفتاة

تصنيف: 

دخول المستخدم