حضرة الضابط الكاتب، تنبيهكم وارد.. وإن كان التأويل حقا للقارئ لا يساوم فيه...

قرأت منذ ساعات تحذيرا صدر عن ضابط سام ينتمي إلى إحدى مكونات القوات المسلحة وقوات الأمن.. وقد شاع صيته منذ أكثر من سنة بوصفه عسكريا، على إثر عملية قام بها لا ترتبط بحرفته العسكرية، بل بعيدة نوعا ما عن مهنته ومجال عمله. ويتعلق الأمر بنشره كتابا باللغة الفرنسية تحت عنوان " Mauritanie, la racine"( موريتانيا، الجذر). تضاربت الآراء حوله:  دوافعه، مغزاه، عواقبه... اختلف القراء حولها.

وما زالت تداعيات ذلك الجدل تطفو من وقت لآخر على الساحة الإعلامية والساسية بشكل قد لا يرضي أحيانا صاحب الكتاب. وهنا فإن الكاتب العسكري المذكور لا يشذ عن الكتاب الآخرين: التعامل والتفاعل مع ما يُنشر لا يتفق بالضرورة مع ما يريده المؤلفون، بل يتخذ أحيانا تأويلُ أعمالهم واستغلالها منحى بعيدا كل البعد عما يرغبون فيه أو ما أرادوا وما كانوا يتوقعون. لذلك عليهم قبل الخوض في مغامرة الكتابة والنشر أن يجعلوا لما سيثيرونه من ردود متفرقة ومتنوعة حسابا. وإلَّا، فإن خيبة أملهم ستكون أعظم وأمر، إن هم حاولوا  تدارك الموقف بعد فوات الأوان، عبر طرق وأساليب غير مجدية.. بل ربما تزيد الطينة بلة وتصب الزيت على النار. ومنها: محاولة مصادرة رأي القارئ ومنعه من التعبير عن احساسات شعر بها أو عن آراء تولدت لديه بسبب ما كتبوه.. لأنهم لا يوافقون عليها أو لا تعجبهم أو قد تؤدي لهم مشاكل أو تلحق بهم اضرارا. فقد كان عليهم، لئلا يقعوا في مأزق من هذا النوع، أن يأخذوا حذرهم قبل الإقدام على النشر، وليس بعده.

نعم عزيزي، مؤلف " موريتانيا، الجذر"، وأخي في السلاح، لقد قرأت كتابكم بوصفي عقيدا سابقا في الجيش.. وأثار اهتمامي كثيرا بصفتي ناشطا منذ تقاعدي في مجالات مختلفة: الإعلام، الثقافة،  السياسية...   وقد تبين لي فعلا أن أناسا متنوعين قد يجدون فيه ضالتهم على اختلاف مشاغلهم ومشاربهم الفكرية وأهدافهم: قد يحصد فيه المؤرخ معالم يستدل بها على حقبة أو عدة حقبات زمنية؛ الباحث الانتروبولوجي قد يستنير به في دراسة فئات مثل "الحراطين" أو ظواهر اجتماعية؛ الناقد الأدبي  قد يهتم باسلوبه الإنشائي المتباين وصوره البلاغية والمدارس الأدبية التي قد ترتبط بها...

أما السياسي- وهذا بيت القصيد في تحذيركم- فلن يجدي نفعا محاولة منعه استخدام الكتاب أو مقتطفات وأجزاء منه وتوظيفها وفق حساباته وأهدافه السياسية، حسب ولائه لهذا الجناح السياسي أو ذاك.

صحيح أن طبيعة حرفتكم ومهنتكم تستدعي بقاءكم بعيدا عن الجدل السياسي والجدل العمومي بشكل عام، فانتم ملزمون بوصفكم عضوا في القوات المسلحة وقوات الأمن بواجب التحفظ. لكن القراء غير مقيدين في أكثريتهم الساحقة بنفس الإكراهات القانونية  والسلوكية .

ورغم ذلك، فإنني أدْعم وأساند بيانكم- حسب قراءتي الشخصية له؛ إذ اعتبره بمثابة رسالة يوجهها إطار عسكري مجرب إلى أفراد القوات المسلحة ليذكرهم بضرورة التحلي بالحذر واليقظة فيما قد يصدر عنهم خاصة إن كان ما يقولون أو يكتبون موجها إلى الرأي العام أو من الممكن أن يكون له أثر عليه.

فكأني بكم  تقولون لهم: "إخوتي في السلاح، التأليف بمثابة المقذوف، إذا ما رماه صاحبه فلا يدري على من يقع الحجر، كما يقول المثل الشعبي (الزرگه إلا مرگت أيد مولاه ما يعرف امنين اطيح)".

وكمثلكم أيضا، زميلي الضابط الكاتب، فإنني أرجو من القراء أن يأخذوا في الحسبان ضرورة احترام واجب التحفظ الذي يخضع له افراد القوات المسلحة وقوات الأمن. وأن لا يقحموهم ولا يستغلوا أعمالهم وتصرفاتهم – سليمة كانت أم خاطئة- في صراعات سياسية وإديولوجية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

كما أرجو من الزملاء الإعلاميين، خلال بحثهم عن المعلومة المتعلقة بالميادين العسكرية والأمنية أو بالأفراد العاملين فيها، أن يتوجهوا إلى الجهات الرسمية المخولة لإعطاء المعلومة، وأن يكونوا بدورهم حذرين ومسؤولين في التعاطي معها بوصفها مادة حساسة. فعلى سبيل المثال: لا أرى أنه من اللائق إطلاقا وصف سارق أو مجرم بأنه " عسكري سابق" أو أنه "ابن عسكري". حتى وإن كان المعني عضوا فيما مضى في القوات المسلحة أو قوات الأمن، فإن مواصلة إلصاق تلك الصفة به يتضمن تشويها لصورة المؤسسة التي لم تعد له بها علاقة. وكذلك إضافة نسبه إلى فرد منها لا علاقة له بما قام به المعني.          

عقيد متقاعد البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

تصنيف: 

دخول المستخدم